يؤثر النحويون على تسمية هذا النوع من لأفعال بالنواسخ ؛ لأنها تنسخ حكم الجملة الاسمية ، و تغير قوائمها التي بها تقوم ، و قد عددوا أفعالا معينة هي التي تعمل هذا العمل ، و عقَّدوا لها بابًا ، ثم رأوا أن ثمة حروفا تجرى على شِراع هذي الأفعال فأطلقوا على الجميع باب النواسخ ، و لكن على رأي الدكتور مهدي المخزومي و هو فحل من فحول العلماء المعاصرين الذين نهلوا من هذا المورد ، و قطعوا أعمارهم لتوضيح ما خلفه السلف من تراث و تنقيحِه ، يرى أن هذا الاسم في الحقيقة لا يثبت إلا لـ ( كان) وحدها ، و ما عداها لا يشملها الاسم ؛ لأن النحاة يقررون أن هذه الأفعال إنما تدخل على الجملة التامة ، فإذا نُزعت من موقعها لا يتغير شيء من الجملة ، و إنما تجد أعمدتها منتصبة شامخة ، و هذا الذي نلاحظه لكان ، فإذا قلت : محمد ذاهب اليوم إلى الكلية ، أتيت بكان و قلت : كان محمد ذاهبا اليوم إلى الكلية ، فدخولها و خروجها لا يغير نظام الكلام إلا من حيث ما تقتضيه كان من انتصاب خبرها و المعنى المتصيد لدخولها في الكلام ، لكن هذا العمل في أخواتها غير جدير ؛ لأن بقية الأفعال تدخل في الكلام الذي يصلح لأن يكون جملة و في الذي لا يصلح جملة أصلا ، كقولك : أصبح زيد مسلما – أضحت الشمس حارقة – بات علي قوي البنية ، فالجمل صالحة بعد خروج هذه الأفعال لأن تكون مبتدآت فتقول : زيد مسلم – الشمس حارقة – عليٌّ قوي البنية …. إلخ ، لكن انظر إذا قلت : أصبح الطين إبريقًا ، و بات الكذب حقيقة ….. إلخ
تجد أنك إذا نزعت هذه الأفعال من تلك الجمل لن تصلح لأن تكون كلامًا مع أنها صلحت ؛ لدخول هذه الأفعال ، و النحاة أنفسهم يقررون في بابة الخبر أن الخبر هو الجزء المتمم للفائدة ، فأين الفائدة إذا قلت : الطين إبريق ، و ليس هذا بكلام ؛ لأن الطين ليس بإبريق ، و لا يكون الكذب حقيقة.
و بهذ التقرير الذي أورده الدكتور يبين لك جوهر قول الناس بأن المعنى نصف الإعراب ؛ لأنك في الجمل التي تدخلها ( أصبح – أضحى – ظل – أمسى – بات – غدا – صار ) و هي غير صالحة – أي : الجمل -لأن تكون كلامًا في شريعة العرب الكلامية لولا أنك عرفت المعنى من هذه الجمل لساغ لك أن تعرب ما شئت منها خبرًا ، إلا أن النحاة كانوا أسبق الناس إلى إدراك هذه القضية فقَيَّدوا الخبرَ بقيدٍ لا محيد عنه ، و هو الفائدة ، كما قال الإمام ابن مالك في ألفيته :
و الخبر الجزء المتمُّ الفائده :: كاللهُ بر ، و الأيادي شاهده
و إنما أثبتُّ لك هذا لتعلم أن أي علم أردت الولوج فيه لا بد أن يكون عقلك حكمًا قويًّا ، و لا يؤخذ علم بالتغاضي عن العقل ، كذلك يجب أن تكون في دراستك علم النحو ، أو الصرف ، أو البلاغة ، أو أي علم ، ليس النحو بمجرد حفظ القاعدة ، و إنما لفهم هذه القاعدة و كيفية تطبيق القاعدة على ميزان العقل .
و هذا الإيضاح و التبيين و غيره من التوضيحات و النقد العلمي الصحيح الجاد في التراث النحوي ، يدلك على مقدار الحاجة في فتح باب إعادة دراسة أقوال سادتنا النحاة ، و تنقيحها ؛ لإثبات الصحيح منها ، و توضيح السقيم من الأقوال
عفيف إسماعيل يوسف
طالب دراسات عليا في اللغة العربية وعلومها- جامعة الأزهر