وكان الجرح عميييييقاً كعمق نواة الأرض وملتهباً مثلها ، مرت عليه عقود وهو يعاند يكابر يرفض أن يبرأ ، يمزق الأنسجة ،يجفف الجلفات منعاً للالتئام فيبقى ينزف ويوجع حد اشتهاء الموت …. وأنت تعلّمني كيف أخيطه بخنجر بعد أن أكتب على جدرانه من الداخل بمشرط قصائد نسيان وأخبئ في عمقه رصاصة وخوف .
*************
وكان الخوف ثقيييييييلاً كردم ذي القرنين ضخامة ً وعلوا ،احتل الصدر وامتد حتى الأطراف، لم يقهره أمان ولم يظلله غمام استقرار، ولم يقدر أي أمل على إزاحته وطمسه …. وأنت تعلّمني كيف أُفرغ عليه قِطراً ليزداد علواً ويكبر أكثر فأكثر، ومنطقك في ذلك / إذا تجاوز الخوف حده انقلب شجاعة / أي شجاعة أمام رضيع مذبوح وآخر متفجر محترق بفعل اللامبالاة ؟
غطِني من برد الخوف بريشة وليس بمنطق بارد .
*************
وكان البرد مخييييييفاً ، وحشاً له زفير يدخل من كل مسام الجلد يحجّره ينشر الصقيع في القلب والروح وينهش بنهم ، تتجمد حتى الذكريات ، ويسري الخدر في كل شئ حولي وداخلي إلا في تفكيري بالدفء وأنا المتشردة في صحراء العمر والمنفى لا دار لا أهل لا وطن لا غطاء ولا زاد …..
وأنت تعلمني حين أتضور برداً وكيف أن النار فاكهة لا أطيب منها فأشتهي حتى القنابل وأموت جوعاً .
***************
وكان الجوع عنييييييفاً جداً كقبطان مُقعد بعد أن فقد ساقَيه اللعينتين بين أسنان قرش شرس في رحلة صيد بحري ذات غفلة ،فأضحى قرصان حاقد حقود يسلب كل شيء ويقتل كل شيء يعيث في الأرض فساداً ويفقدها صوابها وطبيعتها فتُنبِت بدلاً عن الثمار نار ، وبدلاً عن الرحيق رحيل .
يختلط الحابل بالنابل …الأنغام بالألغام .. الأجاص بالرصاص .. التفاح بالسلاح .. القمح بالجرح .. والنيل والفرات دم ،،، من المحيط إلى الخليج وهْمٌ و هّمْ ،،، وفي كل درب حرب ،،، في كل قلب رعب ،،، في كل بلاد فساد ،،، والجوع للسلام يكبر يقتل أو يكاد …..
وأنت تعلّمني أن الجرح وشم ومرار .. أن الخوف انتصار عظيم .. أن البرد علقم صبر لا ينتهي .. أن الجوع زاد مطهي في نار الماضي نأكله الآن ونجني نتائجه غداً .. وأن الموت أمنية والسبيل الوحيد للنجاة فالقِطاف في تسارع رهيب .
*****************
وكان الحرف مكسوراً حزيناً قاصراً وعاجز ،.
…… فشكراً جميييييييلاً لك أيها التاريخ الجديد وأنت توهمني أن الاستسلام و الرضى بالمقصلة يجعل الدم أبيض ….
فتؤكد لي بذلك أن الثلج أسود.. فهل يذوب ؟ .
بقلم الشاعرة والأديبة / نهى إبراهيم سالم