الحداثة ومشكلاتها الأساسية في جزر القمر

    هل أنت مع الحداثة النخبوية في جزر القمر ؟ ومتى كانت مشكلة جزر القمر في الحداثة ؟ أم أن الحداثة هي عملية تقوم بها النخبة السياسية لتمرير مشاريعها الذاتية؟ أليست الحداثة هي التي صنعت الديمقراطية والصناعة اليدوية وحقوق الإنسان في الغرب ؟ وهل الحداثة في جزر القمر في النخبة السياسية الحالية قادرة لصناعة الديمقراطية أم هي وسيلة للحكومة لقمع الشعب وطرده إلى الدكتاتورية الفاحشة والتصدي عنه من الأصولية والسعي نحو محوها في البلاد ؟ تلكم الأسئلة سأحاول بإرادة العزيز أن أضع الإجابة عليها خلال مقالتنا اليوم .
    مع الحداثة. أريد أن ألقي بعض الأضواء على بعض المفاهيم المتعلقة بالإسلام، وإن كانت هي واضحة بين أيديكم ، غير أني أغتنم هذه الفرصة في مساهمة منبرنا الإلكتروني مع شكري وتقديري للإخوة الأفاضل الذين لا يزالون يتركون بصماتهم التنويرية والفكرية في هذا المنبر العلمي تشجيعا وتعريبا لبلادنا المحببة .
    إنني أريد أن أعالج بعض المفاهيم في هذا الأمد الوجيز منطلقاً من واقع قطرنا أو دولتنا الصغيرة جزر القمر التي تعيش بكل المقاييس أزمة سياسية وحضارية شاملة ، بل تعيش من انسداد الآفاق وإفلاس السياسية لصالح الحلول الأمنية، بعد أن حلت العصا وتقارير الأمن في صنع القرارات المهمة محل الحوار والتفاوض حتى مما يتعلق بالهوية الوطنية والدينية وغيرها من القضايا المصيرية ، حيث كانت جزر القمر تمثل سابقا نموذجاً في التعامل بما يسمى الحركة الأصولية بما كانت تقوم به من تصدير العلماء والمثقفين والمصلحين إلى الدول الجوار، واليوم صارت جزر القمر بعيدة كل البعد من التصدير، بل هي بعيدة عن هذه المفاهيم لوجود فيها بعض الحركات والتيارات مهمتها التصدي عن الأصولية وامتصاص منافذها، وتتخذ مكانتها مفاهيم العولمة الجديدة في حدود ضيقة بهدف إزالة الأصولية في الدولة وترسيخ مفاهيمها الخاطئة والسلطوية القاهرة، هذا وإن دلّ على شيء فإنما يدلّ على النوايا السيئة الخفية في النخبة السياسية الحديثة تجاه السياسة القمرية الجديدة حيث تحطمت السياسة القمرية في المنطقة منذ عهد قديم، هذه السياسة تقوم برصد الحركات الفكرية والكيانات الإصلاحية وتحاول بكل المحاولات طردها عن احتكاك بالمجتمعات المدنية كل ذلك يستهدف تفكيك الفكرة الأصولية في دولتنا وتهميشها وراء الكواليس .
    تبقى الحكومة القمرية الحالية في إقناع الدنيا كلها أن الخيار الصحيح هو التعامل مع التيارات الإسلامية كغيرها من التيارات المدنية ، وهذا غير صحيح بل أعجب العجب ما تقوم يه ضد الأصولية الإسلامية بوسائل مباشرة وغير مباشرة ، فالمؤامرة التي كانت ضد دكتور سيد برهان رئيس جامعة جزر القمر سابقا ومن ثمة وقعت نفس السناريو ضد رئيس الأسبق عبد الله سامبي المعتقل إلى السجن دون مبررات واضحة، حتى تكاد قضاه المرفوعة ضده أضحوكة في كل جيل من الأجيال القادمة، إذاً فكل المؤامرات المتخذة في السلطة الحاكمة ضد الأصولية تترك آثارا سيئة تدعو إلى هدم معالم الأصولية ومقدساته، وإن كان معظم الشعب لا يلتفت إليها لفتة تأملية ولا يلقي إليها بالا، لما يحيطه من سوء الأوضاع المعيشية، وليعلم الشعب القمري الأبي أن جزر القمر كانت لزمن طويل قلعة من قلاع الحضارة الإسلامية تصدر العلوم والمعارف إلى أفريقية المشارق انطلاقا من زنجبار في جمهورية تنزانيا، ولامو ومومباسا من جمهورية كينيا ، وأوغندا، ومدد شقر وغيرها من الدول الجوار . وأما اليوم تصدر جزر القمر إلى العالم الإسلامي أو العالم أجمع أسوأ نموذجا، إذ تصدر أسلوباً فريداً في التعامل السياسي مع حزب الأقلية فهو يحاول اختبار جماهير الشعب لاقتناع عن الإسلام صورة وجسما لا روحا ومعنى يسير في قلب المسلم في حركاته وسكناته، حيث أن لا يكون لها من خلال الاكتشاف رسالة واضحة في العالم .
    والأغرب من ذلك، أن أسلوب النخبة الحاكمة القمرية أسلوب القمع هذا يبرر نفسه بالديمقراطية وبحقوق الإنسان والمحافظة على المجتمع المدني، وتحرير المرأة ، وتقوم بهذه الحركات والشعارات لتغطي أهم القضايا الكبرى والمرجعية الأساسية للدولة كقضية جزيرة مايوت وغيرها من القضايا المصيرية، إننا في زمن الزيف واختلاف عجيب للمفاهيم، فقد أصبحت الدكتاتورية في جزر القمر سافرة واضحة وهي حكم الأقليات المعزولة، وقمع الشعب وتستظل في ظل النظام الدولي بالحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان حيث تحصل دكتاتوريات اليوم تمويلا ودعما دوليا، فتسوق نفسها أنها على الأسلوب المفضل لمعالجة المعضلات الكبرى، لسبب دعم دولي فتبلور وراء هذا الدعم على مستوى الدولة غياب القانون، وأصبح الرئيس وحاشيته المؤسسة القانونية تفرض قوتهم بالقمع والاستهجان .
    أحسب دون شك أن النخبة الحاكمة القمرية في الوقت الحالي عبارة عن تحالف بين عصا الشرطي وبين رجال الدين وبعض الدول الإرهابية التي لا تريد أن يرفع صوت الإسلام داخل القطاع العام، أو يذكر ما يسمى النظام الإسلامي في إدارة الحديثة وأنظمتها اليسارية، بل هذه الأنظمة تقطع مسارها لتصدي وصول النظام الإسلامي إلى السلطة والتنافس، ولذلك بادرت النخبة الحاكمة القمرية ضم رجال الدين في السلطة ووفرت لهم مزايا بغرض خدمتهم في مصالحها الذاتية من قبل الشعب وتنفيذ أجندتها وذبح صحوة المصلحين في البلاد .
    هذا الوضع المأسوي الذي يكتنفه الشعب القمري في ظل الحكومة الغزلية حيث تتبلور باستخدام رجال الدين كآلية قوية لتكميم أفواه جماهير الشعب العظيم عن مطالبة حقه بداعي طاعة ولي الأمر واجب ولا يجوز الخروج عليه، وإن سرق ونهب ممتلكات الشعب أو حولها لملكيته الخاصة فليس لنا حق في مطالبته، لذا هنا لابد أن أوضح لكم أن المشروع الأساسي لنظام الغزلي هو هدم مشروع الإسلاميين القمريين وتفكيك تياراتهم بشكل نهائي من أجل بسط نفوذه على الشعب بشكل كامل، ولذلك لم تعد في جزر القمر اليوم سياسة داخلية سوى مظاهر وخطوط عنكبوتي، واختلافات متلاطمة وانقسامات داخل المؤسسة الرئاسية ووزارة الداخلية، ولم تعد فيها سياسة خارجية سوى ظاهرة صراعة مستمرة بين مروني وباريس تحت أقضية تافهة لا جمل فيها ولا ناقة للشعب، حيث لا تصعد حواراتها صعودا يحل القضايا المشتركة والمصيرية كقضية مايوت ورسوم ضرائب السفن والأجواء القمرية التي ما زال العدو الغاشم الفرنسي يحتل عليها، ولم تعد فيها سياسة تعليمية ولا اقتصادية قابلة للتغيير وفق المؤشرات التي يشير إليها الخبراء، على كل حال ما ألاحظه في بلادنا في الوقت الحالي مشروع واحد وهو التصدي عن الأصولية باسم الحداثة.
    لعل ترد في عقل القارئ مفاهيم مختلفة عن الحداثة التي أعنيها في المقال وما الديمقراطية في جزر القمر وما حقوق الإنسان وما حرية المرأة التي تمسكت بها الحكومة الغزلية منذ فجر بزوغها في الساحة السياسية، فأخذت هذه المصطلحات تستخدمها في خطبها السياسية حتى جعلت المرأة القمرية حاكمة في أكبر جزرها الغنية برجالاتها وعلمائها ومثقفيها وجميع أطياف المعارف والكوادر العلمية والسياسية، إلا حزبه فضل بتقديم المرأة على الرجال بهدف تدمير معايير الدين وتبديل مكانها الفكر الديمقراطي كسلاح ذو حدين، أعتقد أن كل ما وراء ذلك لم تكن إلا البسملات التي يبرر بها النظام الغزلي الدكتاتوري، ليس لإيذاء وذبح الإسلاميين والمثقفين العرب فحسب ، وإنما أيضا ذبح الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يناشدها ويدافع عنها وسط شعارات مزيفة، فالتصدي في مجتمع ما لحركات المعارضة والأغلبية من مزاولة مهنتها السياسية خطأ جسيم في المجتمعات الديمقراطية، وليس إلا لقضاء على حقيقة الديمقراطية نفسها وذبح الحقوق والحريات، وأعتقد أن ما يجري في جزر القمر مع وضعها الراهن ، ليس حداثا من غير مقدمات، وإنما كما يقول مؤيدو الحكومة القمرية على لسان حالهم نحن في حركة استمرارية للمرحلة الغزلية التخطيطية 2030م رغم تفاقم للتدهور وظاهرة قمعية وقهرية للمجتمع و سحب هويته باسم الحداثة وتلك الغزلية وحاشيته المستفزة وما الحداثة عنهم بريء .
    ومما زاد الطين بلة في فداحة هذه الحداثة الخاطئة المزيفة أنها لم تحضر في جزر القمر بالاتفاق والإجماع بين القوى السياسية، بل تدخلت عليهم فجأة ومن ثم تغيير القانون الدستوري والنظم الانتخابية، فاصطدم الأمر جميع موطني الجزر الثلاث واعتبرها انقلاب على الدستور والمصالح العليا للجمهورية لخروج الأمر عن الاتفاق الشامل بين القوى السياسية، إذا فلا تعتبر حداثة بمفهوم وضعي لأنها وضعت لخدمة مصالح الأقلية الحاكمة، ولذلك تجد هؤلاء النخبة يقدس الإمام الغزالي ويطلق عليه اطلاقات متعددة تدور بين الدين وبين السياسة المارقة ، ومن هنا يمكن القول أسوأ النخبة حكمت جزر القمر النخبة الغزلية الحديثة فلا يقلد الحداثة الغربية التي اندلعت في الغرب منذ قرنين ونصف أو ثلاثة قرون، إذ كانت الحداثة في الغرب تصديا لما كان يكبل العقل ويكبل الشعوب من أنظمة ملوكية متألهة، ومن أنظمة كنائسية متحالفة معها، فالحداثة في الغرب حررت العقل وحررت الشعوب وأنجزت المجتمع المدني وأنجزت المجتمع الصناعي وأنجزت الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالحداثة في جزر القمر أنجزت التطرف والدكتاتورية وأنجزت القتل العمد العلني وأنجزت المجتمع التخريبي وأنجزت العنف وأنجزت عصا الشرطي لجرح وإيلام شعبه بدلا من حمايته ، وأنجزت العلمانية الملتبسة بزي الدين تختطفا عقول جماهير وتحويلها إلى دمار دينهم بأيدهم، حتى سحب الشعب القمري عن إرادته وسيادته ووضعت في بعض أيد القلة .
    وأنا لا أشك أن الحداثة لدى النخبة السياسية الغزلية هي عملية سلخ للشعب عن هويته على امتداده التاريخي، ومحاولة قطع علاقاته بالعالم العربي والإسلامي، ومحاولة تسليمه بما وراء البحر، فأصبح أكبر شعار يقدمه الإمام وحاشيته ترقبوا بركب الأمم المتقدمة والدول النامية ضمن برنامجه المبرمجة لعام 2030م، وبما أن هذه المفاهيم انطلقت من الثورة الفرنسية وهي يا حبذا قومي يعلمون عملية لصناعة حضارة العلم والتقدم بقدر ما تخلت عن الأديان وأعمدتها، يبدو لدى كل قارئ مدى عقلية الحداثة في الغرب ولاسيما الثورة الفرنسية فقد صنعت الديمقراطية وتمردت على الدكتاتورية كما تمردت على السلطة المكبلة للعقول ، وأسست مجالا للتقدم وحرية الشعب، فالحداثة والعلمانية في جزر القمر أمر آخر مختلف عن قواعد الحداثة في الدول النامية والمتقدمة .
    أعزائي الكرام إن مشكلة جزر القمر ليست مع الديمقراطية ومبادئها الحقيقية، ولا مع الحداثة الصادقة ، ولا مع العلمانية بمعانيها ومفاهيمها المختلفة من تعددية وحرية عقل وسيادة القانون حرية المرأة في حدود الشرع، وتقرير مصيره ، وإنما مشكلتنا الأساسية تكمن في الأصولية مع الدكتاتورية .
    وهنا أدعو وليس إلى حرية العقل فقط، بل أدعو إلى حرية الجميع وإطلاق المعتقلين السياسيين القمريين، وأن يعيشوا أحرارا كبقية أفراد المجتمع القمري يحمل البطاقة الجنسية للدولة، وعلى المستوى العالمي أدعو إلى حرية التعدد الحضاري، وإلى عالم مستقل يقبل مستقبلا ممكنا بتظافر الجهود والانطلاق نحو هدف واحد ومصير واحد مشترك يشمل جميع أطياف المجتمع نحو بناء وطن زاهر .

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top