أنحى بعض المحدثين لائمة على النحاة في تقسيمهم الفعل إلى أزمنة ثلاثة ( ماض – مضارع – أمر ) مع أنك إذا تدبرت هذه الأفعال تراها متداخلة المعاني ، فالماضي قد يرد حدوثه في أثناء الحديث كقولهم ( نشدتك الله إلا فعلت ، و بعتك السيارة ، و زوجتك موكلتي فلانة ) فهي أفعال تصدر معانيها في الوقت الذي يتكلم فيه المتكلم ، و غيرها من الصور مما يدل عليه الفعل الماضي ، و كذلك المضارع إذ يدل حدثه على الماضي إذا سبق بـ ( لم – لما ) النافيتين ، و قد يأتي معناه لمجرد التحديث لا يتعلق بزمن خاص كقولهم ( تقدرون فتضحك الأقدار – الإنسان يدبر و الله يقدر) أو يدل على شيء ثابت كقول الفلكيين ( إن الأرض تدور حول الشمس ) و غيرها من المعاني التي تدل عليها المضارع .
فهذه الدلالات و غيرها لا تنطبق مع فعل النحويين في تقسيماتهم ؛ إذ القول بأن صيغة من الصيغ الفعلية ماضٍ أو مضارع ينبغي أن يدل معناها على التقسيم الذي ذكر فيه ، و هذا ما لا يلاحظ من فعل النحاة ، فقولك : رحم الله فلانا – لعن الله فلانا يندرج تحت المسمى ( الماضي) عند النحويين ، و هو لم يحدث في الزمان الماضي و إنما تُصدره الآن و تطلب من الله أن يرحم فلانا الذي ذكرت ، أو يلعن فلانا ، فهو يحدث و لم يمض.
فـيقال لهم : إن صنيعة النحاة لم يكن خطئًا ألبتة ؛ لأنهم في الأصل أرادوا حصر الألفاظ التي يكون مناطها الأزمان ، ثم نظروا إلى صورها ، فقسموها من حيث الصورة إلى هذه الأشكال الثلاثة المعروفة ، فأطلقوا على كل صورة اسما لِمَا يغلب عليها ، فـبناء ” فَعَل ” أكثر ما يدل عليه هو المضيُّ ، و بناء ” يفعل ” أكثر ما يدل عليه هو الحضور والاستقبال و هكذا دَوَالَيك ، فهذه تسمية على التغليب و ليست على الحقيقة الصِّرفة.
و ممَّا يَدُلُّك على أن هذا التقسيم من باب الغلبة و يُضاف إلى ذلك أنهم كَوَّنوا نحوَهم للتعليم أنَّهم بعد ما انتهى نظرُهم إلى هذا ، عادوا و بحثوا في بعض معاني هذه الأفعال و نَصُّوا على أن الماضي قد يَرِد لمعنى الفعل الحاضر أو المستقبل ، و كذلك المضارع قد يرد لمعنى الماضي ، و لكنهم لم يتوسعوا في هذا الباب ، فتركوا كثيرا من المعاني لم يذكروها ، إذن اللوم هنا في غير محله ، و ذكرُ المعربين لقبَ ” الماضي – المضارع – في أعاريبهم إنَّما ذلك لموافقة الصورة الظاهرة التي أطلقوا عليها ، و لم يعنوا بالمعاني حتى لا يستنفَد الوقت من المعرب على ذكر قائمة طويلة في إعرابه ، فاعلم ذلك و تَدَبره ، نفعك الله الناسَ و نفع الناسُ بك !
عفيف إسماعيل يوسف
طالب دراسات عليا في اللغة العربية وعلومها- جامعة الأزهر