بقلم / محمود محمد مهوما – محلل سياسي
لم تكن جزر القمر مهددا بالفشل في فترة حكومة الشهيد و الزعيم الراحل علي صالح متساشيوا رحمه الله كما هو الآن ، السؤال الذي أحاول الإجابة عنه هو ، ما هي الخطيئة الأولى التي جعلت جمهورية القمر المتحدة مهددة بالفشل أو قريبا من الفشل أم هي من الأساس فاشلة ؟
معيار الدولة الفاشلة ، هي الدولة التي تواجه تحديات متزايدة في إثبات قدراتها على الحكم و الضبط الداخلي و إدارة تفاعلاتها الخارجية ، هي الدولة التي تراجع قدرتها على الوفاء بالتزاماتها ” العقد الاجتماعي “من الأمن و الخدمات العامة و غيرها ، هناك عوامل تدفع الدول إلى حافة الفشل،
عوامل داخلية : المقدس ( التفسيرات الدينية ) و التقاليد الاجتماعية ، و قد تحدثت عنهما في مقالتين نشرتا في موقع من جزر القمر ، الأولى بعنوان ( قراءة في الدين و الدولة و الشعب )و الثانية بعنوان ( من يحكم جزر القمر ) تحدثت عن الدور الذي يلعبه كل من العاملين في تشكيل وعي المجتمع و السلطة و العلاقة بين المواطن و الدولة ، و يمكن الرجوع إليهما لمزيد من الإيضاح،
و أما العامل الآخر ؛ هو العامل الخارجي ( الاستعمار بكامل أشكاله و مستوياته ) كل هذه العوامل الداخلية و الخارجية ساهمت بشكل متفاوت و نسب مختلفة في دفع الدولة إلى أن تكون مهددة بالفشل أو فاشلة ، و تشكل العامل الخارجي ( الاستعمار ) الدور الأكثر تأثيراً و الذي يمثل التراث و النظم الاستعمارية التي استمرت لفترة كافية لتدمير البنى الاجتماعية و التقليدية و السياسية و الاقتصادية ، و فرض نمط من الهياكل النخبوية من الوكلاء لدولة الاستعمار تحقق أجندة استعمارية بوعي أو بلا وعي ، ثم فرض أنماط من التحديث الهجينة و السطحية التي لا تقابلها عمليات يمكن بناء أمة قادرة على إنشاء دولة على أساس متين ،
ما يبدو للوهلة الأولى أن مجتمعنا ( النخب السياسية و الاجتماعية و الصناع القرار السياسي ) لا يستطيع حكم نفسه بنفسه ، لم يستطع نقل الدولة من مرحلة إلى أخرى أي من مرحلة القلق و الهشاشة ثم التهديد بالفشل إلى مرحلة الاستقرار العام ، إن النخب السياسية و الصناع القرار السياسي يمثلون ( وكلاء الاستعمار ) تساهم في إنتاج التخلف و الفشل ( تنمية التخلف و الفشل ) و تعزز مؤشرات الفشل و التخلف في مختلف المستويات و مؤسسات الدولة ، حيث أصبحت هذه النخب عبئا على المواطنين و الوطن و تمثل خطرا حقيقية و تهديدا مباشرة للأمن العام و السكينة العامة و الأمن الاقتصادي ،
و قد أشار في هذا الاتجاه و عبر عن مخاوفه الدكتور نور الدين باشا في منشورة نشره على صفحته في الفيس بوك تاريخ ٢٦-١١-٢٠١٩ و اعتقدَ أن محاولة الدولة لإيجاد الحلول للمشاكل و التحديات التي تواجه الدولة من خلال عقد مؤتمر المانحين في باريس ٢-٣- ديسمبر ٢٠١٩ إنما هي محاولة غير عقلانية و غير مدروسة من خلال سرد محاولات مشابهة لحكومات سابقة و لم تستثمرها الدولة بشكل إيجابي و لم تكن التمويل من الدولة ، أما ما يميز هذا المؤتمر المزمع عقده في باريس إنما التمويل من الدولة و ستكلف الدولة مبالغ هائلة مقارنة بالأرباح المتوقعة، و أشار بطريقة مبطنة أنه لو انفقتْ الدولة هذه المبالغ في تنمية المقومات السياحية لن تكون الخسارة كبيرة في جميع الأحوال ( بناء فنادق ) ،
يقول الدكتور نور الدين باشا إن الدبلوماسية القمرية لن تغني شيئا في حشد الدعم اللازم لهذا المؤتمر ،،، و هذا مؤشر في غاية الخطورة لأنه يدل على أنه ليست هناك مؤسسات حكومية تعنى بوضع دراسات الجدوى الاقتصادية و خطط الاستراتيجية الاقتصادية الراسخة و المتينة ترشد إلى الإنفاق الأمثل للمال العام و تمنع الهدر، و تقدم حلولا لكثير من الإشكاليات و التحديات التي تواجه الدولة و المجتمع ، و سيؤدي حتما إلى غياب التنمية الاقتصادية لدى المجتمع ( عدم المساواة في التوظيف و الدخل و ارتفاع مستوى الفقر و البطالة ) و هذا يشكل تهديدا خطيرا و تساهم في تطور مؤشرات أخرى تدفع الدولة إلى الفشل أو أقرب إلى الانهيار ، كالمؤشر السياسي ” إجرام الدولة ” فساد النخبة الحاكمة ، غياب الشفافية ، ضعف الثقة في المؤسسات و في العملية السياسية مما يكثر مقاطعة الانتخابات و انتشار التظاهرات ، و تدهور حاد في تقديم الخدمات العامة ( الدولة لا تقوم بواجبها الجوهرية ، الصحة و التعليم و التوظيف ) ،
أما الاستاذ شمس الدين الديبواني في مقالة له نُشرت في موقع من جزر القمر تاريخ ٢٩-١١-٢٠١٩ يرى أن هناك حركة دبلوماسية نشطة في الدولة تعمل على تحقيق مشاريع وطنية ،هذه الحركة الدبلوماسية القديمة المتجددة، ترتكز في مجالات كثيرة ومتنوعة، وفي قضايا جوهرية ذات أبعاد وطنية عميقة، تستهدف إلى استجواب واستحضار متطلبات الدولة القمرية الحديثة في خضم التنافس العالمي مع صخب الأحداث،،،وسرد في مقالته الخطاب السياسي لسعادة الوزير الخارجية الأستاذ أمين صيف أثناء توليته لمنصب الوزارة ” أن جمهورية القمر المتحدة في حاجة ماسة إلى تطوير علاقاتها الخارجية مع الشركاء كلهم، لا سيما فرنسا التي تعتبر الشريك الأول للبلاد، وأضاف : علينا ألا ننسى قضية مايوت القمرية” ،،،
هذه السياسة المزدوجة الغير مفهومة و التي تتجه نحو تطوير العلاقات الدبلوماسية مع المغتصب للأرض و الشعب و المقدرات ( فرنسا ) وفي الجانب الآخر مطالبة المجتمع الدولي بتقديم كل ما يلزم في تحرير جزيرة مايوت و استعادتها بكل الوسائل الممكنة و المتاحة ، إن الدولة الفرنسية تمتلك من القدرة على إحياء و موت الدولة القمرية ، فهي لم تدخر جهدا في إضعاف قدرات الدولة من قيام ببناها الداخلية ، وعدم قدرتها على سيطرة جزرها و قيدت سيادتها ،إثر تدخلات واضحة في شؤونها الداخلية ، و تستضيف معارضين لنظام الرئيس عثمان غزالي و تسمح باحتجاجات قوية مناهضة للسلطة القمرية في أرضيها ،
إن الهدف الفرنسي هو دفع جزر القمر إلى أن تكون دولة فاشلة و تحطيم هذه الدولة ، أجد أن قراءة الأستاذ شمس الدين الديبواني ، غير دقيقة إلى حدما و تحتاج إلى مراجعة نقدية ، و البعد عن التحليق في الواقع ، و الابتعاد عن المثاليات الغير مجدية،
في هذه المرحلة، و يجب التركيز على التطبيق و الابتعاد عن الشكليات و الخطابات الاستهلاكية
و قد أشار الدكتور حامد كرهيلا في رسالة مفتوحة إلى فخامة الرئيس عثمان غزالي نشرت الرسالة في موقع من جزر القمر بتاريخ ٢٨-١١-٢٠١٩ ، أن هناك انتشارا واضحا لانتهاكات حقوق الإنسان ،و الحرمان من تطبيق القانون ، من خلال سرد مجموعة من الحالات الواقعية و الراهنة ،،، إن تنامي الانشقاقات داخل النخب الحاكمة و الصناع القرار السياسي – انشقاق نائب الرئيس الاستاذ جعفر أحمد – و كذلك الانشقاقات داخل صفوف المعارضة ، و الاتهامات المتكررة بعدم شرعية النظام الحاكم ، و عدم احترام حقوق الإنسان و سيادة القانون و التنمية الغير متوازنة من المؤشرات المهمة في الدولة الفاشلة هذه السردية تمثل الخطيئة الأولى ( المقدس ، التقاليد ، الاستعمار ) التي تدفع الدولة القمرية إلى حافة الهاوية و الفشل ، و قد عززها قوى استعمارية بما يخدم مصالحها الاستراتيجية ، يبرر و يخدم أغراض الهيمنة
الصورة من الموسوعة السياسية