باحث دكتوراه في الفلسفة الإسلامية – المعهدرالأروبي للعلوم الإنسانية في باريس
لذا، وبعد أن وجدنا أن الشعب القمري- ولمدة زمنية لا تقل عن ثلاث عقود أو تزيد منذ استقلال الدولة- ظل يعيش التجارب المريرة تلو التجارب في عالم الحكم والسياسة، إلى أن ذاق شيئا من العافية وهو في ميدان جديد يسمى تبادل السلطة ونقلها بسلاسة، عبر انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، في ظل وجود رؤساء سابقين، ينبغي إذن الهروب قليلا إلى الأمام، لنوجه إلى هذا الشعب العزيز السؤال التالي:
أي رئيس يريده القمريون ليحكمهم في عام 2016م، أو بمعنى آخر: أي من بين القادة والساسة الموجودين حاليا على الساحة السياسية الوطنية سيصلح ليكون منقذا لهذا الشعب أو على الأقل مخففا عنه آلامه، بعد أن عانى ما عانى من الويلات والأزمات الاقتصادية وغيرها طيلة ما يربو الأربعين عاما؟
إن الحصول على إجابة شافية على مثل هذا السؤال لأمر يعد بديهيا وميسورا في قواميس الشعوب التي عاشت مثل هذه الحالة التي عاشتها جزر القمر.
أما وأننا نتحدث- مع كامل الاحترام- عن أمة أفريقية، خلقت والفكر الانقيادي والخضوع للآخر وترك الأمور كل الأمور للمشيئة- سيل من الخطوط تحتها- والتواكل وليس التوكل، قد نجد صعوبة في ذلك، إلا إذا اجتهدنا وبكامل طاقتنا صابرين محتسبين، عنده سنجد الإجابة المطلوبة.
وللسير سريعا نحو المراد ننوه، بأن جزر القمر مر عليه الكثير من الرؤساء أو الأنظمة، منذ العام 1975م حتى وقتنا الحالي، بعضهم من أقصى اليسار وبعضهم من أقصى اليمين، بعضهم من أصحاب الدين وبعضهم من أصحاب المال، كما أن بعضهم من أصحاب العلم والحلم والشفقة وبعضهم من أصحاب القوة والصرامة.
وهكذا، بل وجمع بعضهم في قليل من الأحيان بين هذه وتلك من الصفات السالف ذكرها، وكلهم حكموا الدولة، استقروا أو لم يستقروا، أنجزوا أو لم ينجزوا، المهم استفاد الشعب من تلك التجارب الكثير والكثير، وهو- ولله الحمد- ذكي أكثر مما يتصوره القادة والسماسرة.
الأمر الذي سيسهل له، أي الشعب، وبالتالي سيساعده، حتما هذه المرة ومن الآن، على حسن اختيار من سيأتي كرئيس للدولة فيما بعد الدكتور إكليل ظنين.
حيث الكل دون استثناء يسأل، بصرف النظر عن مكان قدومه وعشيرته ودائرة مصالحه الواسعة، من الشمال أو من الجنوب: من أنت؟ وماذا قدمت للشعب أو ماذا لديك؟ ومن أين لك هذا؟ سواء كان هذا السؤال يوجه إلى المرشح كرئيس شخصيا أو إلى أعضاء فريقه ونظامه أو معسكره عامة، نوابا ومستشارين، وزراء وسفراء.
لأن الوقت كما هو بين- حتى في الليالي الدامسة- ليس في صالح وطن غرق ويغرق في بحر لجي من الأحمال الثقيلة بفعل ملفوفات كهنة الأنظمة، الذين صدقناهم مذنبين حين أتيناهم وعرافيهم على مدار 40 سنة تقريبا.
وهؤلاء ممن تصنفهم معاجم المعمعية السياسية بالوزراء والمدراء المنجزين، والحق أن لا إنجاز ولا فوز منذ الاستقلال إلا في حالات جزئية ونادرة جدا، مثل حالة افتتاح الجامعة الوطنية الوحيدة.
وبدليل تراجع مستوى قطاعات الصحة، والغذاء، والطاقة عما كان عليه في السبعينات والثمانينات، لكن هذا التراجع بهذه الصورة نعمة أيضا، لأنه سيمنح المواطن فرصة سانحة ليقود بنفسه سفينة الإنصاف ونصر الظالم أو المظلوم قبل أن يتم القضاء عليها وعلى من فيها من قبل منزوعي الرحمة والشفقة بالأوطان، ويوما سترى تلك السفينة جاهزة للانطلاق من شاطئ الماضي الأليم إلى شواطئ الرفاهية والاستقرار.
ولابد من إشارات مماثلة، إذ المرحلة تستدعي جملة من المقارنات للتفضيل الجاد بين (س) عائلة السياسة من جانب و (ص) من ذات العائلة من جانب آخر، داخل المعسكر الواحد أو خارجه، بين هذه الدائرة الموالية وتلك المعارضة، فكلاهما جرب ركوب قطار الوزارة بالأمس، مثلما جرب الغياب عن عيون الغلابة كل يوم وكل ساعة.
وبما أن الشعوب تعيش أزهى عصور الرفض الجماعي العلني لقبول فلسفة الركوع للملوك والرؤساء، وعبر الميادين، فان الحاصل القدري يجعل القلق الواقع في الأعماق يقل والخوف يتراجع شيئا فشيئا، سواء في البال أو في القلب، على المدى البعيد أو القريب، لأن الشعوب بما فيها الشعب القمري طبعا- بفضل الانفتاح للعالم الخارجي- أصبحت واعية ومدركة للحقائق من حولها، يومها أفضل من أمسها إدراكا، إن لم تكن هذه مبالغة بعض الشيء.
وبناء عليه، آن الأوان أن يقوم القادة، الساسة والمرشحون أو العازمون على الترشح، سواء في الانتخابات التشريعية أو في الرئاسية، بتقديم أنفسهم وبرامجهم للشعب، حتى يتمكن من دراسة كل ذلك والحكم عليه بحرية وتأن في محكمته العادلة، وليس العكس كما جرت عليه العادة الظالمة بأن يقوم المواطن أو الشعب بأكمله على تقديم نفسه عند حضرة السيد المرشح، ليمنحه بعضا من مكرمته الدعائية مقابل التصويت له، ثم يتجاهله وشؤونه عقب الفوز، لينفرد هو وجماعته بالكعكة العامة، التي لا تمول سوى من قبل خزينة الدولة.
والأخيرة اعتادت على جعل المواطن العادي ماكينة إنتاج فائقة السرعة والتحمل، وخادما بصورة غير مباشرة أو مباشرة عند الماكرين وأبناء السادة البرجوازيين، المسمون محليا بالوزراء والسفراء والمدراء والنواب وكبار الشخصيات.
وخلاصة القول، قبل أن يعدل أي مرشح، موالاة أو معارضة أو لا اسم، في توزيع بضاعته- عفوا كلماته المعسولة- المميزة والمعبرة للعلامة السياسية الجامعة للكل ضمن زمرته، ليعم الجميع بلا محسوبية أو تمييز، على هيئة خطب سياسية، في الأيام أو الأسابيع والشهور القليلة القادمة، والتي تسبق بطبيعة الحال عملية الاقتراع، ومن على منصات عالية، يتم إعدادها على ارتفاع غير عادي خصيصا لتطيير الوعود البراقة على رؤوس المواطنين،،
قبل أن يعدل يجب على سيادته أن يعلم تمام العلم واليقين أن المواطن القمري- بمختلف شرائحه ومشاربه- قد نضج سياسيا، بعد طول تجريب تابعه دون إشراف من أحد من المستغلين في مختبره الخاص، شمل كافة أشكال النخب، ونتيجة لذلك قرر أن يقعد لكل مرشح بل ولكل حزب وتكتل من الآن فصاعدا بالمرصاد.
|| التتمة في النشر القادم، تابعوا موقعكم؛ أخبار من جزر القمر يشوقكم لجديد السياسة والثقافة والفكر في بلدكم الثاني، جزر القمر!