بعيدا عن التفسيرات الثيولوجيا التي تفسر ظهور وانتشار المستعمرات الحشرية آكلات الأعشاب، وغيرها من الظواهر والكوارث الطبيعية المماثلة إلى اللعنة الإلهية بسبب ما يرتكبها الإنسان من ذنوب ومعاصي تجاه خالقه، نتساءل حول إمكانية وجود تفسير آخر ومغاير لهذه الآفات والكوارث؟
تعتبر العلاقة بين الإنسان والطبيعة علاقة شد وجذب، وتوافق وصراع، أو بمعنى آخر علاقة تفاعل متبادل، بحيث يؤثر كل طرف على الآخر ويتأثر به، وقد تغيرت هذه العلاقة من مرحلة تاريخية لأخرى، ففي البداية كان الإنسان هو الذي يخضع لقساوة الطبيعة من عواصف وصواعق وأمطار وغيرها من التقلبات الطبيعية، ثم انتقل الإنسان من مرحلة الخضوع هذه إلى مرحلة توظيف الموارد الطبيعية لصالحه، ليصبح الإنسان في وقت لاحق عدو لدود للطبيعة بعد التطور التكنولوجي وإحلال الآلة محل الإنسان أو ما يعرف بالثورة الصناعية.
وبذلك تحول الإنسان من خاضع للطبيعة إلى مسيطر عليها ومدمر لها، ناسيا أن الطبيعة هي محور الوجود البشري، لأن تدمير الطبيعة من شأنه جعل استمرارية أنماط الحياة فوق كوكب الأرض أمرا مستحيلا.
هذا وتعد ظاهرة التغير المناخي من بين المظاهر الرئيسية للتدهور البيئي أو للتأثير السلبي للإنسان على الطبيعة، إلى جانب فقدان التنوع الحيوي أو البيولوجي، والتصحر.
و يقصد بالتغير المناخي” تغيرا في المناخ يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري الذي يفضي إلى تغير في تكوين الغلاف الجوي العالمي والذي يلاحظ، بالإضافة إلى التقلب الطبيعي للمناخ على مدى فترات زمنية متماثلة”**.
وقد أصبح التغير المناخي ظاهرة واقعية، بحيث لم نعد نتحدث عن احتمالية حدوثه بل عن حقيقة واقعية وثابتة بأدلة علمية وتجليات ومظاهر مختلفة كزيادة شدة الفيضانات والعواصف والجفاف، وزيادة مخاطر الأمراض المعدية المنقولة عن طريق المياه والنواقل والأغذية، وارتفاع مستوى سطح البحر الذي يهدد مرافق الرعاية الصحية الهشة ويدمر البنيات التحتية، وزيادة متوسط درجات الحرارة العالمية، والتغيرات في أنماط هطول الأمطار، والأحداث المناخية المتطرفة…إلخ، ومن شأن هذه التغيرات أن تؤثر على الحيوانات والنباتات وديناميكية الآفات الحشرية، والتنوع، و نشاط ووفرة الأعداء الطبيعة، وزيادة الخسائر في المحاصيل الزراعية مما سيؤثر على الأمن الغذائي.
ومن هنا تكمن الترابط ـ حسب وجهة نظرنا المتواضع ـ بين التغير المناخي و المستعمرات الحشرية، هذا الترابط الذي يتمثل وجهه الأساسي في مسألة التكاثر والتطور، إذ أن الحشرات تستجيب وتتأثر مباشرة بظروف زيادة الحرارة.
فحسب العديد من الدراسات تتمثل تطور الحشرات أحد الآثار غير المباشرة للتغير المناخي، بحيث يؤدي هذا الأخير إلى ارتفاع درجة الحرارة التي تلعب دورا مهما في تطور الحشرات.
وتتنوع الحشرات الناتجة عن تغير المناخ العالمي، ومنها حشرة دبابة مايو{Éphémères} التي تستخدم غالبا لمؤشر جودة البيئة، والبعوض بحيث يؤدي تغير المناخ الذي يؤثر في الأمطار إلى توسيع نطاق انتشار البعوض…إلخ.
فهناك علاقة بين التغير المناخي و المستعمرات الحشرية، إلا أنها علاقة جد معقدة، بحيث تأخذ مظهرين أساسيين، الأول ايجابي متمثل في مساعدة التغيرات المناخية على زيادة انتشار بعض الحشرات، والثاني سلبي متمثل في انقراض بعض الحشرات بسبب التغير المناخي.
ولهذه العلاقة عدة مظاهر، لعل أهمها ما يلي:
ـ ينتج التغير المناخي غزو الحشرات الحاملة لبعض الأمراض التي كانت مستعصية عليها في السابق، وتوسيع مدى نطاق انتشارها.
ـ مسألة التكاثر والتطور، إذ أن الحشرات تستجيب وتتأثر مباشرة بظروف زيادة الحرارة التي هي من آثار التغيرات المناخية.
ـ التغير المناخي هو السبب الرئيس في تغير ديناميكية أنواع الآفات الحشرية ومجتمعاتها.
نافلة القول أن للتغير المناخي تبعات كبرى في معظم المجالات الحيوية، بحيث يؤثر على النظم الايكولوجية و فقدان جليد البحار، وارتفاع منسوب سطح البحر بمعدل متسارع، وموجات حرارة أطول، وغيرها من الظواهر المناخية المتطرفة التي تؤدي إلى تقويض الأمن الإنساني بكافة مجالاته الاقتصادية و الغذائية والبيئية والصحية و الشخصية والمجتمعية والسياسية.
بقلم إبراهيم نيدهوار
باحث في تحديات السياسة الدولية ومتخصص في قضايا البيئة والمناخ.
**اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ لسنة 1992