كان يوم الأحد، تاريخ 23 من شهر فبراير لهذا العام، 2020م، وقفتُ على تعليق منشورٍ، هذا بعض فحواه: “عذرًا أستاذ سعيد، لا يجدر بك أن تقحم مُوَاجا- هَمهَامِي في متاهات منير يسين ولحركته الطفولية.. فليس هناك مقرٌ للإف إف يو في بلدة مُوَاجا” انتهى.
وقد حرَّره الأخ المحترم، والأستاذ الفاضل، أحمد إبراهيم، الموظف بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بدولة جزر القمر، راذيُّ “RADHI” الانتماء الحزبي السياسي، وهو من المدرسة الفرنكو-عربية الإسلامية.
وجاء هذا كردٍّ على بعض كتاباتي عن الشأن القمري العام، وفي إطار ما نشره موقع “من جزر القمر” الإخباري الصادر بالعربية، بتاريخ 21 فبراير الجاري، تحت عنوان: “مُبِيْنِي .. مدينةٌ في مرمى الحيوانات السياسية المفترسة”.
تكلم العنوان عن عددٍ من المسائل حديث الساعة في الوسط القمري، من بينها القرار الذي اتخذته السلطات في موروني، ورفعته إلى نظيراتها في بيجين، لمنع القمريين الموجودين هناك، أثناء وباء الكورونا المنتشر بقوة في مدينة وُوهَان الصينية، من العودة إلى وطنهم الأم، ولو من باب الوقاية.
والأخ الفاضل هو من ضحايا ما تنتجه ثقافة الإف إف يو في منطقة همهامي، إن جاز التعبير، وبالتحديد في بلدة مُوَاجا، مسقط رأس مؤسس هذه الحركة الشبيبية، وهو السيد منير يسين، الملقب بإنسان غابات السياسة المفترس.
وهو نائب برلماني سابق ويعمل حاليًّا دعامةً من دعامات الجناح الاستشاري في بيت السلام، القصر الجمهوري.
أو كما عرف نفسه وعرفها من خلال لقاء فسبوكي مباشرٍ بثته نافذة “نُونُو”، عقب المناوشات التي تخللت منتصف يوم التصويت على الانتخابات التشريعية الأخيرة، المنظمة في شهر فبراير.
(2)
فاز في هذه الانتخابات، ومن الدور الأول، عن دائرة هَمَهَامي-امبُوَانْكُو، مرشحُ الحزب الحاكم، السيد مُنْدُوْوُوْهَا ونائبه الشاب الثلاثيني أحمد إسحاق، وقيل بتزوير وبمنافسة ضعيفة جدًّا مع مرشحين كرتونيين.
كان لِلَقَبِ كلٍّ منهما نصيبٌ من النسبة المئوية الحاصل عليها في النتائج، وهي الصدفة المضحكة المبكية في تقدير البعض، حيث السيد عشرةٌ، حصل وفقط على 10٪، والسيد ثلاثة عشر هو الآخر لم يحصل سوى على 13٪، ويقال بأن النسبة الحقيقية قريبة من تلك، وهكذا جرت العملية الديمقراطية في هذا اليوم.
والهدف من الجهر بوجود الإف إف يو والإعلان عنها، على الساحة الوطنية، هو للحد من صوت “مدينة مُبيني؛ حاضرة منطقة همهامي َامبُوَنكُويُو” المرتفع والمزعج لنظام الإيمرجانس.
وقد ظهر ذلك جليا مع ما أفرزته تلك النتائج في صفوف المعارضين لمرشح الحزب الحاكم، في هذه المنطقة، والحالُ الحالٌ في باقي مناطق الأرخبيلِ، وعلى المستويين؛ النواب والفائزين في البلديات.
وهؤلاء من يراهم أكاديميٌّ قمريُّ- ولعله الدكتور فيصل بكر؛ عبر كتابة “صرخة” له، على صفحته بتاريخ 25 فبراير 2020، هي إلى الألغاز الفلسفية أقرب منها إلى المعقودات السياسية- مجموعةً من “الدُّمى” في مجلس يُنسبُ إلى الشعب، ليس إلّا.
بل مضى وهو يصف الواقعَ المشاهدَ إلى ما هو أبعد من ذلك، حين رفع صوته في سُكونٍ بالقول وهو يحنُّ إلى وطنه: هاتوا كفنًا وسدرًا وكافورًا لدفنِ السيدة “الجمهورية” إلى مثواها الأخير!
(3)
وقد كان هذا أول تعليق، حسب علمي، ينشر بالعربية ليبرأ البلدة، الطيبة أصولها؛ مُوَاجا، مما يصنعه يسين ومعه قامات المنطقة السياسيون، ممن يوفرون له ولحركته (المجهول مقرها!) الغطاء والحماية ويعبِّدون له الطريق نحو النيل المتكرر من حاضرة همهامي وشخصيتها الاعتبارية والتاريخية، فضلا عن الفكرية والسياسية الرائدة.
وهنا أود أن أسجل أسمى آيات الاعتبار والتقدير للصديق والزميل السابق في حقل العمل الإداري والدبلوماسي.
هذه الشخصية النزيهة المنصفة، والمتزنة فيما يتعلق بالقيم والتقاليد المجتمعية القمرية، حسب معرفتي البسيطة لشخصيته، هو وبكل تواضع ممسك واثق برفعة العلم ومكانة المعرفة والسلوكيات.
الشخصية المتمكنة في مجال الدفاع عن العروبة والأخذ بسواسية شرائح الوطن الواحد أمام القانون؛ حقوقا وواجبات، بعيدا عن دولة الفساد و المحسوبية والرشاوي.
وبما أنه قد برأ البلدة؛ مُوَاجَا همهامي، من أفاعيل يسين وجماعته، والحق يقال، لأنه – أي إبراهيم- وبشهادة الدنيا أعاد كَرَّةَ التبرئة هذه وحتى الآن مرتين على الأقلِّ وأمام الملأ الرقمي الالكتروني، مع إصرارٍ عجيبٍ وترصدٍ واضحٍ، فقد باتت جهوزية الاعتذار- عن وصف البلدة كمقرٍّ للإف إف يو- محل نظرٍ ودراسةٍ.
(4)
وعليه، ينبغي أن تعاد تسمية الأشياء بأسمائها إلى السجل الحقيقي لها، دون الغلو في إصدار الأحكام والأوصاف.
فمنير هو منير، وحركته حركته، أما عن مقرها فقد كذب حين قال بأنه كائن في بلدة مُوَاجَا همهامي، حسب رواية التبرئة، وهو كذلك لحين ثبوت الإدانة، ومن باب الإقرار بالأوسط كخير الأمور.
كما أنه ينبغي- وأمامنا قضية جد خطرة حيث تمس الأمن المجتمعي في البلاد لكونها داخلة في سياق تجمعات الفوضى الخلاقة وزعزعة الاستقرار العام- أن نكون صرحاء مع أنفسنا أولًا، ثم مع المجتمع الاتصالي اللامحدود، خاصة عبر هذه المجرة العملاقة؛ شبكة المعلومات الدولية.
وفي هذا، نجد ودون تعطيل أن جملة من النقاط تندفع لترسم ذاتها أمامنا، وهي على النحو التالي: هل فعلًا منير يسين- بالصفة الرسمية التي يحملها مستشارًا في رئاسة الجمهورية أو كمسئول ملف هامٍّ فيه- يمثل القصرَ في صغير مع كونه في الوقت ذاته يقر بنفسه أنه زعيم عصابة أولتْ على نفسها التخلص من المعارضين بقانون العضلات في الأزقة والطرقات؟
ماذا يعني تجاهل قضية الإف إف يو رسميًّا ولا أحد من صناع القرار يظهر للرأي العام- قبل القضاء أو حتى سلطات الأمن- سمعًا أو بصرًا أنه مطلعٌ على تصريحات يسين النارية والمثيرة للفتنة والموقظة للنعرات في المجتمع الواحد، بدءًا من مُتْسَانغَاجُو دِيْمَانِي إلى إِيكُونِي بَامبَاوُ ومرورًا بِكُوَمْبَانِي وَشِيْلِ ومُبِيْنِي؟
كيف ليفهم من انضمام السيد سالم حسن إلى سلك الإف إف يو، بطريقة أو بأخرى، وهو المعروف باللامبالاة في فنون المواجهات، ثم تتم ترقيته بقدرة قادرٍ وفي لحظة زمنية؛ هي لمح البصر السياسي، من مجرد مستشار إداري إلى رئيس بلدية، عبر تصويت هزلي محسوم نتائجه مسبقًا، وأي بلدية؛ حاضرة همهامي الغارقة حتى القاع في غليان المواجهة مع نظام العقيد؟!
ما الحكمة وراء جعل أبناء هذه المنطقة يُتْرَكون، يستوي في ذلك المؤيدون بالمعارضين، رجالُ الدين بالدنيا، ليضربوا بعضهم ببعض، وكأنهم الظالمون بالظالمين، والأندادٌ شهودٌ؟
(5)
وهكذا يتحتم على كل غيور على جزر القمر أرضًا وشعبًا، أن يقف وقفة مع نفسه في سبيل إظهار الحقيقة حول السلوك السياسي المتبع من قبلِ بعض رموز النظام الحاكم، مُؤسس الإف إف يو وضاغط المصطلح؛ “بُهَامُو” مثالًا.
ومعناه؛ مخزن الغباء أو موطن العباطة، ومستحدث هذا المصطلح، في هذا المنوال، هو السيد سالم حسن، المستشار لدى الإدارة العامة لشركة كُومُورْ كَابِل.
قاله واصفًا جماعةً من المناوئين لنظام غزالي من أهل مُبِينِي، حتى يدرج ضمن المفردات الجديدة في قاموس الحياة السياسية القمرية وفي حق جزء مؤثر من أعيان مُبِيْنِي.
مع استعجال طلبِ العفو عن عدم ذكر كلمة سلطةً بعد أرضٍ وشعبٍ هنا، نظرًا لكونها مملكة خاصة وذات أهلٍ أخصٍّ- يعلون ولا يعلى عليهم حزبيا ومجتمعيا- حتى عام 2030م، وفقًا لفقه توزير برامج الحكم ومكتسبات السياسة.
وإن فضل السوادُ الأعظمُ منهم أن يكونوا صمًّا بُكمًا تجاه ما يصنعه منير يسين، من إساءات وتحريض وتأليب للرأي العام على حاضرة همهامي، بمؤيديها ومعارضيها لنظام الدكتاتورية العقيدية.
(6)
وكأني أريد أن أذكِّرَ صاحبي الغالي هذه الحقيقة، بأن السمكة الفاسدة كلما تجاهل ذَوُوها وجودَها وسط أطنان من الأسماك الصالحة حينًا من الدهر، دون محاولتهم فعلَ شيءٍ ما، من باب إنقاذ الكمية من الإصابة بعدوى الفساد، فهذا لا يعني سوى أن ثمَّ مرضًا قد أصاب الكلَّ، إن عاجلًا أم آجلًا.
فلا سعيدُ ناوٍ أن ينجوَ بسعدٍ حين هلاك، ولا الأخير يهمه ذهابُ الجميع خلفَ التاريخ.
إن الإنسان المثقف والمتحضر، يا سيدي، يحاور بالحجة والمنطق والبرهان، وقد فعلتَ، لا بالعضلات وحركات البِنْغِ بُنْغِ الشططية، كما هو الحال ويسين.
والذي لا يتردَّدُ الأخُ المعلقُ- حفظه الله من شرِّ الموتو؛ جزاء من أراد بالإف إف يو مواجهةً، والإف إف يو أشكالٌ- في أن يصفه بذي الحماقات والحركة الطفولية، رغم كون الرجل صاحبَ منصبٍ رفيع “شجرةٌ تَدَنَّيْ ثقافيٍّ وإفلاسٍ سياسيٍّ تغطي غابةً”؛ مستشارًا لرئيس الجمهورية، مع هذا المستوى من الفكر والتعامل، فأين العيب؟!
*درس الإعلام واللغة العربية في جامعة الأزهر الشريف، و باحث أكاديمي مهتم بالفكر الإسلامي