(الجزء الأول)
أعلنت الحكومة يوم الأربعاء 24 يونيو في قصر بيت السلام الجمهوري بموروني جلسته الأسبوعية برئاسة رئيس الدولة عثمان غزالي، على لسان وزير الاقتصاد والناطق الرسمي باسم الحكومة حميد مسيعدي، في تقريره، بأن المجلس قرر الاحتفال بالعيد الوطني الـ45 في السادس من يوليو الماضي، و تعمل الحكومات على تنظيم حفلات أعياد الاستقلال الوطني وإحياء ذكراها، كون ذلك يمثل مصدر الشرعية للدولة القمرية برمتها.
وربما يكون طرح بعض الإشكاليات المصاحبة للاستقلال الوطني من بدايته أو الناتجة عنه، هو بداية نحو مراجعة شاملة للاستقلال الوطني والنظر إلى ما حققته الحكومات المتعاقبة من أهدافها والتوقف عند بعض الإشكاليات التي تحتاج إلى فتح نقاش جدي حولها وذلك وفقا للرؤية التي تقول إنه ” من أجل بناء مستقبل جديد، نحتاج إلى بناء ماض جديد”.
ووفقا لهذه الرؤية، يوجد تلازم بين المراجعة الدائمة للماضي وتحقيق التطور السياسي الضروري لبقاء الدول. وبطبيعة الحال فإنّ الإشكاليات السياسية يمكن أن تدوم أو تتطور إلى أزمات مستعصية مالم توجد لها حلول فاعلة و حاسمة ، كما أن الحقائق التاريخية تحتاج إلى الاسترجاع للاستلهام بها في ممارسة العمل العام و كذلك الاستنارة بها في مسيرة تقدم للدول.
بعد نحو 45 عاما على استقلال الوطني، لا يزال الكثير من التاريخ القمري مجهول أمام المؤرخين والباحثين، في وقت لم ترفع فيه الجهات الرسمية الفرنسية عن كل الوثائق المتعلقة بتلك المرحلة التاريخية، ومن ناحية التأريخ، فإنّ المسألة تشهد تعقيدات، إذ إن بعضا من الحركات الوطنية اتهمت أبا الاستقلال بالخيانة الوطنية بقبول استقلال الجزر الثلاثة دون جزيرة مايوت المحتلة، و يندد رفقاء الحركة الوطنية بوصفه أبا الاستقلال، ويريدون إظهاره عميلاً فرنسياً، وهكذا سيبقى النقاش والجدال مفتوحين حول هذه القضية التاريخية.
وقد تتسع الجوانب التي ينبغي أن تتم من خلالها مراجعة تلك الإشكاليات، ولكننا نتوقف عند ثلاث زوايا تدور حولها الإشكاليات الأكثر تعقيدا في موضوع الاستقلال أو تكمن فيها القضايا الأكثر إلحاحا للمراجعة وهي:
أولا: الاستقلال السياسي معنى ومفهوما، وما الذي يقصد أن تكون دولة ما، مستقلة سياسيا ؟
ثانيا: الفرضيات التي بني عليها الاستقلال من وجهة النظر القمرية ؟
ثالثا: الأهداف التي من أجلها أراد القمريون استقلالهم عن الاستعمار ؟
سنعرض لكم أعزاء القراء في موقع من جزر القمر، قراءة تاريخية بديلة ورواية مغايرة لحقبة الاستعمار الفرنسي والاستقلال الوطني:
اولا: ما مفهوم الاستقلال السياسي؟
الاستقلال السياسي مفهوم حديث العهد في السياسية، وتمّ استخدامه لأول مرة بعد سقوط الدولة العثمانية كمصطلح مستقل، وتمّ ترجمة كلمة الاستقلال من اللغات الأوروبية Independence) ) ، حيث اشتق جذرها اللغوي من اللغة اللاتينية (Dépendance ) ويقصد بالاستقلال السياسي استكمال الدولة سيادتها وانفراد سلطتها الكاملة على الإقليم المحدد دون الرقابة من أحد، وغالبا ما يكون معناه مرادفا للسيادة والتحرر. ويختلف معناه المعاصر عن معناه السابق أو القديم بالأدق، إذ أنه، بإضافة كلمة” الاستقلال إلى “السياسي” تأخذ الكلمة معنى له دلالة سياسية و قانونية في حين أن معناها القديم يفيد معنى لغويا وفقهيا مجردا وبحتا.
ويقاس الاستقلال السياسي للدولة بتملك الحرية الكافية في ممارسة سيادتها على إقليمها المحدد وغياب أي تبعية معينة في تقرير مصيرها وإدارة شؤونها العامة وبالتالي تكون هي وحدها منفردة في اتخاذ القرار حول الإطار الجغرافي المعين لها. ومن هنا يمثل الإقليم المحدد حجر الزاوية في استقلال الدولة و وعائها السيادي و هو ما يعني وجود حدود محددة للدولة المستقلة. ويعتبر مسألة الحدود الأخيرة هي الإشكالية الأكثر تعقيدا في الاستقلال السياسي القمري، حيث أنها استقلت من الاستعمار الفرنسي و من ثمّ توحدت فيما بينها دون جزيرة مايوت. والجهود التي بذلها الاستعمار الفرنسي في فترة ما قبل الاستقلال لإعطاء جزر القمر استقلالا ناقصا .
وبالإضافة إلى ذلك ، كانت الحركة الوطنية تشعر بأنها دعمت الأماني القومية للقمرييين وساعدت القوى السياسية الوطنية بداية تشكلها وانتشار وجودها في الجزر الأربعة، بالطرق المختلفة كما أنها بدأت المقاومة للاحتلال الفرنسي تقوى متخذة أشكالا تعبيرية مختلفة، كالمظاهرات الشعبية والمقاومة السياسية، حيث مرت المسألة الوطنية القمرية التي انتهت بإعلان استفتاء سنة 1974 من أجل الاستقلال، فكانت النتيجة 95% مع الاستقلال مما دعا أحمد عبد الرحمن بعد ذلك إلى إعلان الإستقلال من طرف واحد في 6 يوليو 1975م. حكمت ثلاثة جزر من الأراضي التي يسكنها القمريون، وهي جزيرة القمر الكبرى وموهيلي وأنجوان . واحتفظت القوى السياسية الأخرى واعتبرته نوعا من الاستخفاف والخيانة الوطنية بموقفها السياسي وسوء التقدير دون تحقيق الطموحات القومية للقمريين والوحدة الوطنية بين الجزر الأربعة، الأمر الذي جعل فرنسا تعمل على دعم الانقلابات العسكرية للطرف المناوئ ضد الطرف الآخر و إعطاء شرعية واسعة ممن يتفق مع سياستها الاستعمارية. ولهذا فإنّ دعم فرنسا لعودة مايوت إلى الأراضي القمرية شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلا لأن الإحتلال التعسفي للأراضي القمرية محكومة بأهداف اقتصادية في قناة موزمبيق. وكذلك توسع أرضها على حساب جزر القمر.
ومن هنا فإنّ عدم وجود جزيرة مايوت بين جزر القمر تعتبر إشكالية رئيسية تواجه الاستقلال السياسي للدولة القمرية وسيكون من الصعب إنجاز أي عمل قومي مالم يكن هناك استقلالية تامة. وخصوصا إذا كان توجد بين جزر القمر وفرنسا إختلافات حول العيش المشترك بين جزيرة مايوت وأخواتها القمرية، تجعل التوجس وسوء النوايا السمة السائدة في العلاقات السياسية بينهما.
سلطان يوسف رسول
باحث دكتوراه في التاريخ القمري المعاصر
كل الآراء الواردة في المقال يتحمل الكاتب فقط كامل المسؤولية