بقلم / يوسف مباي علي – باحث في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بباريس
لاشك فيه أن يوم تنصيب الإمام غزالي عثمان کرٸيس جمهورية القمر المتحدة للمرة الثالثة على التوالي ، له خصوصية في تاريخ الأجندة السياسية للأمة القمرية ، ضمن سلسلة الانعكاسات والتحديات التي مازالت تشهدها دولة أرخبيل القمر منذ عهد الاستقلال إلى عصرنا الحالي ، فلا أحد يستطيع أن ينکر مدی خطورة الموقف السياسي والأمني داخليا وخارجيا جراء الإفراط في تهميش ما کان يعرف بدولة القانون والحرية فوق تلك الأرخبيل ،
غير أن بإمعان النظر نجد أن تلك التحولات والانزلاقات تندرج ضمن التحولات السياسية التي تشهدها الشعوب التي عانت وما زالت تعاني من الکبت السياسي والاضطهادات الأمنية ـ والتي لم تسلم بها دول عدة وفق استراتيجية عالمية جديدة لزرع صفقات سياسية وأمنية تدفع فاتورتها الشعوب الضعيفة ،
مثلها مثل ما يعانيه شعوب ما يسمى بالربيع العربي التي فشلت حتى الآن في الوصول إلى أهدافها المعلنة لأسباب عدة ، أبرزها التركيز على نقط ضيقة والتسرع في نبش قبور من سبقوهم من السياسيين ، علاوة على الثقة الزائدة في إحداث المعجزات دون أن تکون هنالك دراية کاملة وموثقة لکواليس اللعبة السياسية في بلدانهم مما حول الحلم إلى نکبة حقيقية تأکل الأخضر واليابس فيها ،
غير أن الوضع في جزر الأرخبيل مختلف تماما عن الواقع العربي المثير حاليا ، وذلك لموقعها الجغرافي البعيدة نسبية عن الشعوب العربية وثقافة جزر القمر السياسية في تداول السلطة والمنسجم تماما مع تقاليدها الاجتماعية الموروثة و التي تستند إلى مبدأ الحوار ونبذ العنف الدموي مهما علا سقف التناقضات في المسائل السياسية ، فالقاعدة الاجتماعية العريضة التي تنحدر منها شعب أرخبيل القمر لها ميزة فريدة من نوعها و التي ساهمت بشکل کبير في طي الخلافات السياسية ، فقد کانت الثقافة الاجتماعية للشعب القمري على مرور التاريخ وما زالت تساهم في تضييق الخلافات سياسية کانت أو اجتماعية فهو الحصن الحصين للسلم الاجتماعي في تلك الأرخبيل
غير أن المقلق حقا هو محاولة البعض لزج البلاد في مستنقع التوتر الأمني والسياسي وإعادتها إلى مرحلة ما قبل التاريخ ، زمن الفوضى السياسية المصحوبة بالانقلابات المضادة ،
فبالرغم من موجة الانقلابات التي شهدتها جزر القمر في التسعينات من القرن الماضي إلا أنه لم يتجرأ أحد إلى محو قانونية الدولة المدنية ودساتيرها بشکل استفزازي أکثر مما نری ونسمع في الآونة الأخيرة ،
ولم تشهد البلاد في تاريخها السياسي نزوحا بالجملة للقادة السياسية والشعبية أکثر مما نشهده اليوم ، فمن نجى من الإقامة الجبرية فضل مخاطرة حياته فوق أمواج البحار إلى جزيرة مايوت المحتلة من أجل الوصول إلى الملاجئ في باريس خوفا على حياتهم ،
فقد تحولت الأمور إلى ما يشبه أفلام الهوليوود ، قتل وتشريد تخلله نفي و إنکار من وزارة الداخلية ودعوة للحوار وفأس على اليمين من طرف بيت السلام
فيما ترفرف الجنائز فوق أعناق المحتجين في باريس وضواحيها ، مما يعني أن المعرکة بدأت تنخرط في منحى خطيرة للغاية بعيدة عن مبدأ الحوار الحقيقي وثقافة الحوار السياسي المعروفة لدى مجتمع مثقف کالمجتمع القمري الذي أغلبه، على الرغم من الضيق المعيشي، مجتمع واع ومتعلم ، نعم نفى أن يکون هنالك سجناء سياسيين ، بينما هنالك عفو رئاسي مشروط لبعض من هؤلاء ،
فيما درج المعارضون السياسيون فوق لائحة الإنتربول الدولي ، ولوائح ترقب الوصول داخل المطارات في جزر القمر ، بالتالي فإن الدعوة للحوار التي تناشدها الحكومة المركزية ما هي إلا حيلة سياسية للتهرب عن المشكلة الأساسية للأزمة وإ رغام المعارضة على الخضوع بالأمر الواقع بغية فسح المجال لاستمرار النظام في مشاريعه الوهمية ،
من هنا فإن المتفحص لمجرى الأحداث يدرك مدى صعوبة الموقف السياسي المحتدم حاليا على أرض أرخبيل القمر بعد الوعد والعيد الذي أطلقه محافظ جزيرة القمر الکبری السابق المتواجد حاليا في باريس والذي يتصادف مع مبادرة إطلاق السراح المؤقت لبعض الصحافيين ، خطوة يصفها المقربون من بيت السلام ببادرة لحسن النية ،
أما خارجيا ، فقد تراجعت هيبة الدولة وأصبحت الدبلوماسية القمرية على المحك ، تطوف حول الصفا والمروة ، لحين انفراج موثق من السماء ، وظلت زيارات الإمام غزالي الخارجية تنحصر بين أبو ظبي والرياض ، حيث رفضت الدول والمنظمات الدولية بالاعتراف على ما جرى في ليلة الرابع و العشرين من مارس الماضي ، و لم يشارك رئيس واحد في حفلة تنصيب الإمام رئيسا جديدا للجمهورية