في الـ 13 من أبريل 2020م، أصدرتْ رئاسة الجمهورية بدولة جزر القمر المرسوم الرئاسي رقم (20-064/PR) القاضي بتعيين السيد أبو بكر سيد عبد الله جمل الليل، مفتيا للجمهورية.
والرجل يعدُ أول قمري يتخرج في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، في أوائل السبعينيات من القرن المنصرم حاملا الدرجة الجامعية “الإجازة العالية في الشريعة الإسلامية”.
وقد جاءت الردودُ الشعبية والنخبوية الإيجابية المؤيدة للمرسوم على هيئة صيب من سماء الوطنية، مباركة وداعية للشيخ بالتوفيق والسداد والحفظ من وساويس الإنس والجن.
كان من بين الأقلام التي أشادت بالثناء والشكر للرئيس على وضع الداعية الإسلامي جمل الليل في هذا المنصب، قلمُ الداعية الإسلامي القاضي سيد أحمد محي الدين، والدبلوماسي المخضرم الأستاذ محمد بن علي، مدير منظمة الإيسيسكو- مكتب جزر القمر، والدكتور عبد الرؤوف عبده عمر، عميد كلية الإمام الشافعي بجامعة جزر القمر، وصوتُ البروفيسور الفقيه عبد الحكيم محمد شاكر، نائب رئيس جامعة جزر القمر السابق، والدبلوماسي العربي سيد محمد طاهر، والأستاذ مصطفى بكر، القمري الناشط في مجال الدبلوماسية الشعبية المتخذ من مرسيليا الفرنسية موطنا بديلا له، وجميعهم من طلاب سماحة المفتي الجديد.
لكن ومع هذا، بدأتْ بعضُ الأنباء تتردد هنا وهناك، حول احتمالية رفض الداعية الإسلامي القمري الشيخ أبو بكر جمل الليل، منصبَ “المفتي الأكبر للديار القمرية”، دون التمكن – من جانبي حتى الآن- من معرفة صحة تلك الأنباء من عدمها.
فضلا عن معرفة الأسباب الحقيقية التي قد يأتي من وراءها الرفض أو الاعتذار المذكور عن قبول تحمل هذه المسئولية الدينية والوطنية التاريخية، في وقت مفصلي تعيشه البشرية، ويمر به الوطن على حدية بالغة.
خاصة مع كونه يموج في بحر من لجيات أولها تمسك المعارضة بموقفها الواصف للرئيس بالانقلابي الذي لا يحترم دولة القانون والمؤسسات، سجين السياسيين المعارضين له بلا محاكمة تذكر، ولأكثر من عام ونصف العام، وآخرها أزمة الكورونا التي عادت الحكومة ترمي المسئولية كاملة وباللوم والعتاب المستمر إلى الطواقم العاملة في المجال الصحي، دون أن تسعى هي الأخرى- كحكومة دولة تقول عن نفسها مستقلة- لتحمل مسئوليتها، بتوفير الأجواء اللازمة إستعدادا لمواجهة الوباء حالة وصوله إلى البلاد.
وفي هذا الإطار، يقف المناوئون للنظام على شُرفةِ إصرار حكومة العقيد غزالي عثمان على كتم الحقائق المتصلة بهذا الوباء، متبعة في ذلك سياسة حبس الأنابيب حتى الانفجار.
ومع ذلك، ذكرتْ بعض المصادر المطلعة على أنه قد يكون من بين الأسباب الرئيسة التي على خلفيتها جاء رفض الداعية الإسلامي المعروف محليا للمنصب المعروض عليه- أو المجهز له وبحظٍّ وافر من قبل تلامذته وجمهوره من الموالين للنظام- أن الشيخ المعين يرى بأن منصب المفتي في البلاد لم يعد منصبا دينيا خلصا، بقدر ما هو منصبٌ سياسيٌّ دنيويٌّ بحتٌ، يحركه مكتب رئيس الدولة والأمانة العامة للحزب الحاكم كيف يشاءان.
مؤكدًا أن ذلك ما يلمسه البعيد قبل القريب من بني الوطن فيما كان يعيشه سماحة المفتي الراحل، رحمة الله عليه، من ضغوطات وتحكم عن بعد بفعل تسخين ماكينة السلطة وتحليلها لمواد شؤون العباد والبلاد الدينية التي ليس لخبير دنيوي شأن فيها، وهو لا باعٌ علميٌّ شرعيٌّ له ليلا أو نهارا.
ومنذ وصول المفتي الجديد- إن قبل التعيين- إلى البلاد، قادما من المملكة العربية السعودية خريجا عام 1972م، واصل مسيرته العلمية والعملية في مجالات الدعوة والإرشاد والتدريس، ثم الإدارة والعمل الدبلوماسي، حيث تقلد منصب وزير دولة مكلفا بالعلاقات مع العالمين، العربي والإسلامي، في عهد الرئيس محمد تقي عبد الكريم (1996-1998م).
وإلى جانب ذلك احتفظ الرجلُ بمقعده عضوًا بارزا في مجلس العلماء، المعين ولأول مرة في تاريخ البلاد، ومن قبل “تقي” أيضا.
كان أوّلُ رئيس لهذا المجلس العلامة الراحل محمد شريف، رحمة الله عليه، وهو من المدرسة العلمية والفكرية السودانية، وأمينه العام الداعية الإسلامي الشيخ سيد أحمد محي الدين، هو الآخر معتز بالمدرسة الوسطية الأزهرية وبفكر الجامعة الإسلامية الكبيرة.
وفي المقابل، وعلى وتيرة سياسية متناغمة وجديدة من نوعها، صُدر أيضا المرسومُ الرئاسي وقته الرامي لتعيين الأزهري العلامة الراحل شريف طاهر بن السيد أحمد مولانا جمل الليل، رحمة الله عليه، مفتيا للديار القمرية، في حين كان الشيخ عبد الله رفقي أمينا عاما لها.
وردًّا على سؤال استفساري ورد على صعيد “قبول التعيين ورفضه” من قبل مراقب وباحث مهتم بشؤون أفريقيا، وهو الدكتور سلام الموجري، يمني الجنسية، عمل ولمدة طويلة مسئولا كبيرا لإحدى المنظمات الإسلامية المعتمدة لدى موروني، حين تسائل عن أمر رفض التعيين؛ حقيقته وسره.. هل ظهرت منه بوادر حركة ونشاط (يقصد بذلك الشيخ) ؟
كان الجواب التوضيحي المؤقتُ، هو أصلا معروف، أي الشيخ أبو بكر جمل الليل، وهو صاحب خطواتٍ بطيئة، لكنها أكيدة، ولا يحتاج الغدُ من شخصيته الدعوية التاريخية المعروفة ظهورَ بوادر.
حيث أن البوادر قد سجلها وبماء من الذهب منذ وصوله البلاد في سبعينيات القرن المنصرم داعيا ومربيا ومدرسا، وبسكونه في أعالي قمم الدعوة العملية الصامتة التي لا تجامل ولا تخاف في الله لومة لائم!
وهنا قد لا يكون من الظن الإثم، إن قال قائلٌ، بأنه ربما ظنَّ نَسَّاجُوْ المرسومَ الرئاسيَّ الرجلَ عجوزا يسهلُ تحريكُه كالدمية عن بعدٍ، فطلع الأخيرُ أكثرَ شبابيا من الجميعِ، ليريَهم براقةَ كلمةِ الحقِّ التي تعلو ولا يعلى عليها، من أول نقطة “السلام عليكم” أهل القصر، وذلك بقبول منصب المفتي، لكن بشروط!
وعلى المنوال ذاته يقف الأكاديمي القمري والمشرف على مسابقات وزارة العدل والشؤون الإسلامية المخصصة للاعتناء بالقرآن الكريم، دكتور فيصل بكر، ناقدًا وبقلم مُدَّكِّرٍ، ليسردَ صبيحة إنتشار الخبر المتصل بالتعيين الجديد قولَه وعلى صفحته الخاصة: “بعيدا عن جدل المحققين في تحرير عنوان مصنفه القيم بين معالم أو إعلام أو أعلام الموقعين عن رب العالمين، فإن براعة الإمام إبن القيم فيه تكمن في وصفه الفقهاء والمفتين والقضاة بالموقعين عن الله. وهو وصف يشعر بجسامة المسؤولية المنوطة بهم وعظم شأنها وخطرها، ويجعل من يقدم إلى هذا المنصب هيابا وجلا، لا فرحا جذبا. ولذلك تجد في سير القوم وخواصهم من فر منه وتنصل حتى أوذي بعضهم”.
وهكذا، سيصعب على المتابع والمراقب التوضيح والغوص في الأعماق أكثر تصديقا أو تكذيبا، كما قال الباحث في الفلسفيات السفير محمد كليم مزي:” خبرُ رفض شيخنا الجليل المنصبَ، لعله وحتى الآن شبيه بالإسرائيليات، لا يصدق ولا يكذب، حتى إشعار آخر”، وفي كلٍّ نهنئه ونهنئ الوطنَ به فسماحته الفخر.
وربما مثل هذا التعليق لا يأتي سوى بالنظر لكون الحديث عن كواليس التعيين ورفضه هو سابق لأوانه.
لأنه وحتى اللحظة لم يبد المعنيُّ أي تصريح علنيّ، يمكن التجول حوله بالأخذ والرّد تفسيرا وتحليلات وتعقيبا.
هذا، وإن رأى الشيخ بلال صادق، الخطيب بمسجد سيد سالم في العاصمة موروني، غير ذلك، حين قال: ” تأكدتُ من الخبر أمس ولم تصدر منه -يقصد المفتي الجديد- تصريحات رسمية في هذا الرفض، قد لا أصرح عن كونه راض أم لا، لكن لم يقل للناس أنه يرفض الأمر…”.
وهذا في تقدير البعض من المراقبين، لا ينفي، مثلما أنه لا يؤكد وبشكل قاطع، أو لنقل لا يزيل الشك حتى وقت كتابة هذه السطور، فكلام الشيخ بلال السالف لم يرتق بعد إلى مرتبة اليقين الإعلامي أو السياسي.
وهنا نجدُ السيد أحمد إبراهيم، الموظف في الشؤون العربية والإسلامية بوزارة الخارجية القمرية، يمضي في طريق المشككين هو الآخر، حين يقول: “قد يكون (يقصد الشيخ جمل الليل المعين) يستعيذ بالله من تلبيس الساسة، لأنه- حسب ما يترددُ- عُرضَ المنصبُ على الأستاذ الفاضل صادق إِمْبَابَنْزَا فاعتذر، وعلل أنه مريضٌ، حسب ما يقال. والله أعلم بما في الكواليس”.
وبعد هذا العرض الذي لا زالت حلقاته قد تأتي تباعا، عبر أكثر من صعيدٍ إتصالٍ وتفاعليٍََّ، ما لم يوقفها القولُ البيِّنُ، نجد أنه قد لا يكون من المدهش إن طُرِحتْ للعامة “قراءةٌ معينةٌ” حول مجريات هذا الأمر، ومفادها أن أهلَ “لا إلٰه إلا الله” أدرى بشروطها وشروطهم، نقطة وإلى سطر!
محمد سيد سعيد