يبدو أن الضبابية هي سيدة الموقف حتى الآن بعد أن هزت الرياح عرش نظام الإمام غزالي ولأول مرة مساء الجمعة المنصرم في بلدة إكوني جبل، كبداية تحدٍّ واضح و تحَوُّل جذري للشارع القمري في وجه نظام الإمام غزالي ، فهل ستهز مجددًا في العاصمة الاتحادية موروني ؟
سلسلة من جراحات مؤلمة يخضع لها الشعب القمري حتى الآن في ظل تعثر الوضع المعيشي والأمني في الأرخبيل مع المحاولة المستميتة لفرض أمر الواقع بالقوة من قبل النظام ، والظهور بمظهر لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ،
ففي ظل ما حققه الشعب القمري من نصر بطولي ورفع معنويات الشارع السياسي ، بات من الواضح أن هنالك خريطة سياسية جديدة بدأت تَفرض نفسها على مسرح العملية السياسية في الأرخبيل في حال لم ترضخ ما تسمى بالمعارضة من جديد بسياسة ملئ الجيوب التي يقودها غوغاء النظام ، وما لم تترنح أيضا بمسرحية الاتحاد الأفريقي بنسختها الجديدة ، فتاريخ سياسة الاتحاد تجاه شعوب القارة سيء السمعة للغاية ،
حيث مجهودات الاتحاد تجاه تكريس نظام الدكتاتورية في عموم القارة السمراء معروفة للقاصي والداني ، يؤكد ذلك إحتفاظه بسياسة الكيل بمكيالين إن تعلق الأمر بعملية تحرر شعوب القارة من قيود العهد القديم ، بما يعني أن المرحلة التي وصل إليها الوضع الحالي لا تحتاج إِلًّا بروتوكول الشارع القمري وحده لإنقاذ البلاد من الانهيار التام بعيدًا عن التدخلات الخارجية أية كانت ،
فبالرغم من التكاليف المادية الباهظة التي يرتشي بها النظام ، والتقلبات الوزارية في الحين تلو الآخر بغية محاولة تثبيت أركانه بأي وسيلة ممكنة ، إِلا أن الوضع هذه المرة لن يمر مرورَ الكرام لدى النظام حسب رأي كثير من المحللين ،
حيث بات من المؤكد أن موجات التحدي الأخير للشارع السياسي والمظاهرات الحاشدة التى تشهدها أغلب ميادين البلاد شرقًا وغربا ، ماهي إلا رسالة واضحة مفادها أننا قادمون لامحالة ، و أنّ صبر الشارع قد نفد ولا مجال لطرح حل سياسي هذه المرة غير تسليم مفاتيح بيت السلام طواعية للشعب القمري ، وإعادة ما كانت تعرف بمؤسسات الدولة إلى الشرعية الدستورية ، مع إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين بما فيهم أحمد عبدالله محمد سامبي الرئيس الأسبق للجمهورية ، ثم إعادة دولة القانون، لِتعلو الحرية من جديد تحت سبع سماوات الأرخبيل ،
وهي مطالب ضمن سلسلة من مطالب تثير حفيظة غزالي نفسه ، وغير قابلة للنقاش داخل أروقة النظام حتى هذه الساعة ،
غير أن الذي يشغل بال كثير من المحللين والمتابعين للمسرح السياسي داخل الأرخبيل ، هو الخوف من تكرار نفس سيناريو ما عرف بالربيع العربي هناك ، وما إذا كان المشهد الحالي في أرخبيل القمر يمكن أن يصل كما هو مخطط له لحدود العاصمة موروني ومن ثم باتجاه، بيت السلام، رئاسة الجمهورية معقل النظام، أم أن للحكومة الجرأة اللازمة التي تمكنها من قلب الطاولة و مواجهة الشارع بالحديد والنار حيث المنفذ الوحيد المتبقي بعد أن ملأت السجون ؟
نظريًا ، من يتعمق حول مفرزات الأحداث الميدانية ومن خلال المقومات الأساسية التي يمتلكها النظام في الوقت الحالي يدرك أن الحكومة بالفعل فقدت أملها في بسط سيطرتها على كامل أراضي الأرخبيل بالقوة و بات الأمر قاب قوسين من انفلات أمني محقق بعد استمرار تفاقم الأوضاع المعيشية للمواطن العادي وتهاوي الآمال ، إذ حتى المواد الاستهلاكية المعتادة شحيحة جدا فيما حلت الأسعار مواقع النجوم باعتراف بعض مسئولي النظام علنا ،
علما أن العائق الرئيسي الذي حال دون دخول النظام في القفص حتى الآن وبعد تفكيك المجموعة شبه العسكرية المعروفة بـB52 ذات المهمات السرية القذرة والتي كانت تُستعمل لاختطاف وإثارة الخوف والرعب لدى المواطنين بتوجيهات من محمد داود (كيكي) وزير الداخلية المقال، هو بقاء الجيش النظامي كمصدر رئيسي يعتمد إليه الإمام غزالي لإثارة الفوضى و هي الآلة الوحيدة المتبقية التي يركن إليها النظام حتى الآن ، بعد أن فقد دعم الشارع السياسي ،
وبدلا من تهدئة الوضع ومساندة الشعب القمري في تهدئة الوضع و المحافظة على شرعية الدولة أصبح دمية للإمام الغزالي يسيره كما يشاء ومن حيث شاء
وبينما يتمسك النظام بالمقولة الشهيرة : دع الكلاب تنبح والقافلة تسير ، يرى محللون سياسون أن ليس لدى نظام الإمام غزالي هذه المرة من حجج غير ترتيب حقائب الرحيل لإفساح المجال أمام إعادة دولة القانون بغية تحقيق الأمن والاستقرار في ربوع أراض الأرخبيل ،
والله غالب
الكاتب يوسف مباي علي – باحث أكاديمي في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بباريس
كل الآراء الواردة في المقال يتحمل الكاتب فقط كامل مسؤوليتها