اللعنة لقد فعلوها، لقد فعلوها مرة أخرى…
- أتذكر المرة الأولي التي حاولت فيها الانتحار، كانت المياه باردة جدا لكن سلوان ما كان يحيط بي من كل جهة، وعندما بدئت المياه تتسلل داخل كل فتحة من جسدي شعرت بألم مرير وشعرت بالملوحة القوية داخل فمي وأنفي، لا بأس بشيء من الألم من أجل الحصول علي راحة أبدية، تركت نفسي لتلك القوة الرهيبة ولم أحاول الاستماع الي الصوت الداخلي الذي كان يقول لي ” تمسكي بي ، لا تستلمي للبحر ، اسبحي نحو البر أرجوك تمسكي ” في حضرة البحر العالم لا يعني لي شيء ولا أريد أن أكون..
بدئت بفقدان اتزاني وصار جسدي خفيفا أمام كل ذلك الصخب، استسلم جسدي لكل ما يحدث ثم حل الظلام الدامس .
عندما استيقظت وجدت جدتي جالسة بالقرب مني علي السرير ، كانت أنظارها توحي بقسوة لا مثيل لها “ألم يخبروك في المدرسة الدينية أن المنتحر يذهب إلي الجحيم؟” ثم بدأت بقراءة أية الكرسي مع المعوذتين
وراحت تمرر يديها علي وجهي . “ما بك يا ابنتي لم كل هذه العتمة تسيطر علي روحك؟” لم تكن تنتظر مني أية إجابة ،كانت حزينة بطريقة مؤلمة وكنت أشعر بكل ذلك الحزن دون أن أنبس بكلمة ،شعرت بحجم التعاسة التي أسببها لها لكنني كنت أنانية جدا عندما يتعلق الأمر بالانتحار.
كان المنقذ اذن عيسى، وعلي الرغم من اختياري لوقت لا يتجمع فيه الكثير من الناس في البحر إلا أن القدر أرسل عيسي ليكون هو المنقذ الغير مرغوب ، لم أكن بحاجة إلي منقذ وإنما بحاجة إلي خلاص ما.
كان يختبئ في ركن بعيدا حيث لم أراه وهب بإنقاذي ثم نقلي مباشرة إلي المستشفى والاتصال بكل من قد يربطه صلة بي ..
تلك الفترة كانت ثقيلة علي وعلي جدتي حتى سوكي شعرت بحجم الحزن الذي كان يستولي علي البيت.
كنت أتجول في البيت خاوية من أي شعور، كانت فكرة واحدة هي التي تسيطر علي ، لا أريد أن أستمر أريد أن أتواري، تخلصت جدتي من أي شيء قد أستخدمها لأذية نفسي، وحرصت علي خوضي لجلسات علاج نفسي بلا رحمة، شعرت بالضغط الشديد حيث كان يتوجب علي الجلوس أمام غريب والحديث عني وعما أشعر به، لم
أبوح برغبتي الشديدة بأن لا أكون، أكون أو لا أكون ؟ اختار الثاني .
مع مرور الوقت حاولت السيطرة علي نفسي ومحاولة التعايش مع الحياة بهدوء، مارست التأمل ووجدت سكينة عابرة وخضت في رحلات ليلية طويلة نحو القراءة، كنت أهرب من واقعي نحو الخيال، فأضع نفسي مكان الشخصيات التي أقرأ عنها ، أتوغل نحو أعماقها وأشعر بكل ما يشعرون به.
حاول عيسى التواصل معي لمعرفة أخباري والاطمئنان علي، كان فيه طاقة مبهرة توحي بحب ما، وحرصت على الاندماج مع تلك الطاقة، أخبرني ذات ليلة بعد محادثة طويلة عن الحياة ” سأصلي من أجلك يا ثريا، سأصلي من أجل روحك المعذبة لكن أرجوك تمسكي “
لوهلة شعرت بحياة ما وأردت أن أنتمي لتلك الحياة.
الحب حياة، بدئت أؤمن بذلك، وأتعلق بحبله لأهرب من أفكاري السوداوية.
شجعني عيسى علي البحث عن عمل ما والاندماج مع المجتمع، ابتلعت جميع ما كان يحدث من تجارب بصدر رحب، وحاولت التأقلم مع كل شيء ، لكن المهمة التي بدت ثقيلة علي هي الاستيقاظ كل يوم و استقبال الحياة من جديد.
تكتبها سعيدة سيد
خريجة الشرعة والقانون جامعة الأزهر
كل الأفكار والآراء الواردة تتحمل كاتبتها كامل المسؤولية