الاكتئاب يجعل المرء ثقيلا غير قادرا على مواجهة الحياة كالشخص العادي. لم يكن الحرب سهلا علي إلا أن وجود عيسى بجانبي ساعدني على مواجهة كل العتمة وسرقِ بصيص من الضوء لأحيا من خلاله
وعندما أعلن عن رغبته في الابتعاد شعرت وكأن عالمي كله يتلاشى أمامي ولست قادرا على إنقاذ أي شيء.
وجدت نفسي أتجه نحو الموت من جديد مدركة أن عيسى لن يأتي لإنقاذي هذه المرة.
في الساعة الثانية عشر ظهرا، خرجت جدتي لزيارة إحدى صديقاتها ، قمت بتحضير وجبة سوكي وجلست بالقرب منها لمشاهدتها وهي تتناول طعامها بدلال، سوكي تبدو كفتاة بشرية مدللة ، وجدت لتقضي أيامها في هدوء تام وتأمل الطبيعة، وجدت لتكون الملكة، ولا شيء يمكن تغيير ذلك.
أشعر عندما أنظر إليها بأن روحي متصلة بها بطريقة ما، أود لو أعرف ما يجول في رأسها، ربما كنت قطة في حياة ما..
جالسة داخل هذا المنزل مدركة بأنه لا شأن لي بما يحدث في العالم الخارجي ولا شأن للعالم الخارجي بما يحدث لي.. أتناول قلبي قضمة قضمة وقد اجتاحني التعب حد اليأس وأقول هل الأمر يستحق المحاولة؟
أتصل بصديقة الطفولة “كيف حالك يا بطلة؟ ” تسألني دون أي تحية أو سلام ، “بخير” أجيبها ، كيف حال جنودك المتوحشين؟ “يا إلهي إنني أفقد صوابي هنا يا ثريا، لقد أخطاء من قال إن الأطفال هم ملائكة الله في الأرض ” كيف تشعرين ؟ تسألني من جديد “أشعر بأنني أجر جسدي عنوة دون رغبة بإتمام المسيرة ، لقد مللت الحياة يا ميمونة” “أفهمك جيدا ،ولكن تحلي بالشجاعة إن مع العسر يسر هل تذكرين ؟.
“نعم أعرف ذلك جيدا وأقسم لك أنني أفعل ما بوسعي ” استذكر معها ذكريات الطفولة وفترة المراهقة، ونضحك كثيرا بسبب تلك الأيام تقول “لا أصدق أنه انتهى الأمر بي هنا يا ثريا، لم اتخيل يوما أن أتخلى عن حلمي لأجلس في المنزل وأرعى الأطفال، لطالما أردت أن تكون لي حياة مستقلة خارج العائلة، ظننت أنني سأكون سيدة أعمال أو ما شابه ذلك، هذا لا يعني أني لا أحب أطفالي ولكن أردت شيئا أكثر من ذلك هل تفهمين ؟”
ميمونة، تلك الفتاة التي كان الجميع يخشى تمردها، كانت تبهرني في بعض الأحيان بسبب أفكارها النسوية الجريئة، أتذكر مرة عندما واجهت أستاذة التربية الدينية قائلة : لا أؤمن بأن الله خلق المرأة لترعى الرجل وتعنتي به ، أقصد إنه ليس طفلا لماذا لا يعتني بنفسه؟ كان ذلك بعد أن أعلنت المعلمة بأن المرأة تثاب كثيرا عندما تعتني بزوجها وأن من واجبها المحافظة عليه ومراعاته والعمل علي تلبية حاجاته ، ثم أعقبت ميمونة بعد اعتراضها علي قول المعلمة سائلة : وماهي واجبات الرجل تجاه المرأة؟ عليه مثل ذلك من تلبية احتياجاتها ومراعاتها، أجابت المعلمة.
سكتت ميمونة لكنني كنت أعلم بأن عقلها لم يهدأ ثم همست قائلة: لماذا يحرصون كل الحرص على تعليم الفتيات أن عليهن الاستعداد للاعتناء بأزواجهن وكأنها مهمة عظيمة؟ هل تتسألون عما حدث لها؟
الحب، نعم وقعت في حب أناني ولم تتمكن من المحافظة على حريتها واستقلاليتها على الرغم من أنه كان يدعي بكونه نسويا حد النخاع ومحاربا من أجل حقوق المرأة، وفور ارتباطهما رسميا ظهر وجهه الحقيقي وأجبرها على الجلوس في المنزل بلا عمل قائلا” عزيزتي إنني هنا لأعتني بك ما حاجتك للعمل؟ سأحرص علي ألا تحتاجين لأي شيء” ماذا ؟ ستجلسين في البيت بلا عمل!!؟
كان هذا هو رد فعلي أنا وصديقتنا الثالثة بثينة. لم نصدق ما قالته، ” ألست من قلت يوما أن من يمتلك لقمة عيشك فهو يمتلكك ؟” ،” أعرف ذلك لكنه أصر على ذلك ولا أريد أن نتفارق بسبب هذا الموضوع.” أجابت بصوت متردد “تستسلمين إذن بهذه البساطة؟ صاحت بها بثينة غير مصدقة ما قالته ميمونة ” عندما تقعين في الحب ستفهمين” لا أريد أن أفهم يا عزيزتي، لا أريد أن أتخلى عن استقلاليتي المادية من أجل أخرق ما” قالت بثينة بعد نوبة غضب عابرة.
لم أهتم كثيرا بقرارها في ذلك الوقت، قلت إذا كانت هي راغبة بذلك فما المشكلة؟ .
لكنني أسأل نفسي الآن ما إذا كنت سأتخلى عن حلم ما من أجل رجل، من أجل عيسى علي سبيل المثال، والإجابة هي “حتما لا
تكتبها سعيدة سيد
خريجة الشرعة والقانون جامعة الأزهر
كل الأفكار والآراء الواردة تتحمل كاتبتها كامل المسؤولية