لا ريب أن المتحدث إذا أنَّث مذكرا ، أو ذَكَّر مؤنثا يكون عيبه فاحشًا و كبيرًا كما يقول الأنباري – رحمه الله – و لا يقل عيبا مَن جَهِل كيف يُسند الأفعال للضمائر ، بل كان عيبه ها هنا أفحش ؛ إذ الأفعال ليست على درجة واحدة في إسناد الضمائر إليها ، فهناك أفعال لا يصلح أن تسند إليها الضمائر إلا بمراعاة أمور كالحذف في أواخر الأفعال ، أو حذف أول الفعل ، أو إبدال حركة مناسبة للضمير الذي جُلب للفعل ، فلا يمكن أن تجتمع هذه الأمور في بعض الأفعال مع الضمائر ، و لأجل هذا كان من يجهل قوانين علم التصريف أبعد الناس عن الفصاحة و البلاغة ، و لا يُعد كلامه في وزان العرب و إن كان على حروف العرب ؛ لأن تمام الكلام الذي يوصف بأنه عربي أن يجري على قوانين العرب ، و ما يقتضيه نهج لغتهم ، و إلا كان لغوًا خارجًا من صورة الفصاحة العربية .
قد سبق لنا مقال في تعريف أنواع الأفعال من حيث إسناد الضمائر إليها ، و عرفنا نوعين من أنواع الأفعال و هما ” الصحيح السالم و المهموز ” و علمنا كيف يكون إسناد الضمائر إليهما ، و أَرجأنا بقية الأفعال لمقال آخر ؛ خوفًا من التطويل ، و هذا أوانه .
نكتفي بذكر نوعين – أيضا – في هذه الأسطر القلائل و هما ” المضعف الثلاثي و مزيده ، و المثال ” و نبدأ بالمضعف و نقول :
لدى علماء الصرف نوعان من المضعف هما المضعف الثلاثي و المضعف الرباعي ، و حديثنا عن الثلاثي و مزيده ، فالمضعف الثلاثي ما يكون فعل الكلمة و لامه في جنس واحد ، بمعنى : أن الفعل يكون علي حرفين ، و الحرف الأخير مضعف ، أي : مشدد نحو : ردَّ – مدَّ – ظلَّ …إلخ.
فالحرف الأول يسمى عند الصرفيين فاء الكلمة و الحرف الثاني و هو في المثال الأول الدال الأولى يسمى عين الكلمة ، و الحرف الأخير و هو الدال الثانية يسمى لام الكلمة ، و وزن الكلمة حينئذ هو ” فعل ” كل حرف من الكلمة يقابل حرفا من الوزان ، فهذا النوع من الأفعال عند اتصالها بالضمائر على حالتين :
الأولي : إذا كان ماضيا يجب الإدغام ما لم يتصل به ضمير رفع متحرك نحو : مد و استمد – مدوا و استمدوا – مدا و استمدا في التثنية – مدَّت و استمدت في التأنيث ، فإذا اتصل به ضمير رفع متحرك وجب فك الإدغام ، نحو : مددتُّ و استمددت – مددتما و استمددتما – مددتنَّ يا نساء و استمددتن – و النسوة مددن .
الثانية : إذا كان مضارعا وجب الإدغام أيضا ما لم يكن مجزوما بالسكون ، مثل : يمد يستمد – يمدون يستمدون – يمدان و يستمدان ، قال الله – جل ثناؤه – ( و إخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون / الأعراف ) فإذا جُزمَ بالسكون جاز الأمران : الإدغام و الفك ، نحو : لم يرد و لم يردد – لم يسترد و لم يستردد ، قال الله – جلت كلمته – ( و من يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر / البقرة ) و قُرئ بالإدغام أيضا ( و من يرتد منكم) إلا أن تتصل به نونُ النسوة فيجب الفك ، نحو : الفتيات يرددن – و يسترددن ، قال الله – تعالى – (إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره / الشورى ) بخلاف ما إذا كان مجزوما بغير السكون ، كأن يكون مجزوما بحذف النون فإنه كغير المجزوم ، تقول : لم يردوا – لم يستردوا – لم يمدا – لم يستمدا.
أما الأمر من هذا النوع فهو كالمضارع المجزوم ، لك أن تدغم أو تفك الإدغام ، تقول : رد ، يا زيد ، و اردد ، يا زيد – ردوا و ارددوا ، قال الله – سبحانه – ( ردوها عليَّ فطفق مسحا بالسوق و الأعناق / ص ) .
و الفعل الثاني الذي نكتفي به هو المثال ، و هو ما كانت فاؤه إما واوا أو ياء ، فإذا كان يائي الفاء لا يحذف منه شيء في المضارع إلا لفظان ذكرهما سيبويه و هما ( يَسَر يَسِرُ – يئسَ يَئسُ في لغة) و الواوي تُحذف فاؤه من المضارع إذا كان على وزن ” يفعِل ” بكسر العين ، و الأمر منه كذلك ؛ لأن الأمر فرع للمضارع ، فـنحو : وعَد – وَزن ، تُحذف الواو إذا أردتَّ مضارعهما ، تقول : يعِد – يزِن ، و يجوز في مصدره – أي : هذا النوع – الحذف و عدمه ، تقول : وعدًا – وزنا ، إذا لم تحذف ، و إذا حذفت قلتَ : عدة – زنة.
أما إذا كان الفعل يائيا مثل ” يَنَع يَينَع ” أو كان واويا علي وزن ” يفعَل ” بفتح العين في المضارع ، مثل : وجِل يَوجَل ، كقوله – تعالي – ( قال إنا منكم وجلون ، قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم / الحجر ) أو كان واويا مضارعه على وزن ” يَفعُل ” بضم العين ، نحو : وَجُه يَوجُه ، فلا يحذف منه شيء ، إلا بعض حروفٍ سُمعَت قد شذت من هذه القاعدة.
هذا كل ما لدينا في هذا الفصل ، و يتبقى لنا حديث مع باقي الأنواع في اللقاء القادم إن شاءالله تعالي .
اللهم ، علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علما ، و صلي الله على نبينا محمد و علي آله و صحبه و سلم
عفيف إسماعيل يوسف
طالب دراسات عليا في اللغة العربية وعلومها- جامعة الأزهر