ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﻷﺑﻲ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒﻲ
ﻳﺼﻒ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺤﻤﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺻﺎﺑﺘﻪ
ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻭﻳﻌﺮﺽ ﺑﺎﻟﺮﺣﻴﻞ ﻋﻦ
ﻣﺼﺮ ﺳﻨﺔ 959ﻡ )348ﻫـ (
ﻭﻫﻲ ﻣﻦ ﺃﺭﻭﻉ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ
ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺎﺯ ﺑﺤﻼﻭﺓ
ﺑﺎﻟﻐﺔ
ﻭﺯﺍﺋـــــــــــــﺮﺗﻲ ﻛﺄﻥ ﺑﻬﺎ
ﺣﻴﺎﺀ
ﻓﻠﻴــــــــــﺲ ﺗﺰﻭﺭ ﺇﻻ ﻓﻲ
ﺍﻟﻈﻼﻡ
ﺑﺬَﻟﺖُ ﻟﻬــــﺎ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭﻑ ﻭﺍﻟﺤﺸﺎﻳﺎ
ﻓَـﻌﺎﻓَــــــــﺘْﻬَﺎ ﻭﺑﺎﺗَﺖْ ﻓﻲ
ﻋﻈﺎﻣـﻲ
ﻳﻀــﻴﻖ ﺍﻟﺠﻠﺪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ
ﻭﻋـﻨﻬﺎ
ﻓــﺘــُﻮﺳﻌُﻪ ﺑﺄﻧــــــــــﻮﺍﻉ
ﺍﻟﺴﻘـﺎﻡ
ﻛﺄﻥ ﺍﻟﺼﺒﺢ ﻳﻄﺮُﺩﻫــــــــﺎ
ﻓـﺘﺠﺮﻱ
ﻣﺪﺍﻣﻌُـــــــــــــــــﻬﺎ ﺑﺄﺭﺑﻌﺔ
ﺳﺠﺎﻡ
ﺃﺭﺍﻗــــــــﺐُ ﻭﻗﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ
ﺷـﻮﻕ
ﻣــــــــــﺮﺍﻗﺒﺔ ﺍﻟﻤﺸﻮﻕ
ﺍﻟﻤﺴﺘﻬـﺎﻡ
ﻭﻳﺼــــــــﺪُﻕُ ﻭﻋﺪﻫﺎ ﻭﺍﻟﺼﺪﻕ
ﺷﺮ
ﺇﺫﺍ ﺃﻟﻘـــــــــــﺎﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻜُﺮَﺏِ
ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ
ﺃﺑﻨﺖ ﺍﻟﺪﻫــــــــــــﺮ ﻋﻨﺪﻱ ﻛﻞ
ﺑﻨﺖ
ﻓــﻜﻴﻒ ﻭﺻﻠﺖِ ﺃﻧــــﺖ ﻣﻦ
ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ
ﺟﺮﺣــــــــــﺖ ﻣﺠﺮﺣﺎ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ
ﻓـﻴﻪ
ﻣــﻜـــــــــﺎﻥ ﻟﻠﺴﻴﻮﻑ ﻭﻻ
ﺍﻟﺴﻬـﺎﻡ
ﺃﻻ ﻟﻴﺖ ﺷﻌــــــــــــﺮ ﻳﺪﻱ
ﺃﺗُـﻤﺴﻲ
ﺗﻀﺮﻑُ ﻓﻲ ﻋـــــــــــــﻨﺎﻥ ﺃﻭ
ﺯﻣﺎﻡ
____________________
أجاد أبو الطيب المتنبي في هذه القصيدة التي تعد من روائع ما خطه ألمه بقلمه ..وعندما قرأتها عائشة بنت رشدين أخت صديقه الشاعر وكاتب الدولة المجيد أبو علي صالح ابن رشدين لمّا كانا يعودانه في مرضه قالت : غفرت للحمى كل ذنوبها وإذا كانت الكوارث تخلق مثل هذا الشعر فمرحبا بالكوارث .
.. تسامع الأدباء بالقصيدة و أقبلوا على دار المتنبي يستنسخونها وأجمعوا أنها أروع من رائية عبدالصمد ابن معزل في وصف الحمى .
وحقاً هي من أجمل ما كُتب ،،بدأها بالشكوى وضعف الثقة بالآخرين ثم بوصف الحمى وتلاها بسوء حاله في مصر وتمني الرحيل عنها.. بأسلوب يحرك الجبال ….. بالقسوة تلك التي تزور في الظلام كأنها تستحي عين الرقيب وقد استغنت بعظامه عن ما بذله لها من مطارف وحشايا ،،وهنا نرى قدرة المتنبي على مد خيال القارئ في معاني مختلفة كلها جميله فمعنى المطارف .. قماش او فراش من الكتان الفاخر جداً وفي معنى آخر ..اطرف الشخص أي طابق بين جفنيه …. أما الحشايا فهي الفراش الوثير المحشو وأيضا هي الأحشاء … باتت سعيدة الحمى في عظامه حتى ضاق الجلد عنها وعنه ..فأي إبداع هذا !!
وأجاد التصوير أيضاً في .. تأتي ليلاً وتفارقه صباحاً وهي تبكي فراقه بأربعة ،،وقد فسر البعض أنه يقصد بذلك أن الدمع يجري من المئآقي فإن كثر جرى من اللحاظ أيضاً أي من مؤقين ولحظين وهذا سحر في النظم جميل جداً .
اًما في مراقبته وقتها من غير شوق مراقبة المشوق المستهام ~ في المعنى القريب نرى أنه تضاد بين عدم شوقه لها وشوق المحب لحبيبه … ولكن في المعنى البعيد يتضح أنه لجزعه يرقب وقتها خوفاً لا شوقاً كخوف المشوق المستهام من العواذل والوشاة حين يترقب حبيبه .. أما ..(بنات الدهر) .. فهن المصائب والشدائد ، وهنا استفهام غرضه التعجب ..
أبدع وهو يتعجب كيف تأتي من بين كل تلك الزحمة من الشدائد المحيطة به وتجرحي هذا الفارس المليء بالجروح بما لا يدع مجالا لسيف جديد أو سهم وليت يده علمت هل يصح ويتعافى وتتمكن من عنان فرس أو زمام ناقة فيرحل على خيل أو ابل !!!
لله دره من شاعر جميل..
رحمة الله عليه
بقلم نهى إبراهيم سالم