بقلم / محمد يوسف عبده عبد الله – كاتب وشاعر
قبل سنوات وتحديدا قبل عشر سنين برز وطفح على ساحة الإعلام القمرية الإعلامي البارز عبد الله عبده حسن الشهير بعبد الله آغُوا، ذلك الإعلامي الفذ الجريء الذي حمل روحه وكفنه على كفيه معا. وفيها استطاع أن يفجر ثورة إعلامية هائلة في وسط الإعلام القمري البارد، لقي خلالها شهرته الواسعة التي انتشرت سريعا كانتشار النار في الهشيم، حينما غدت إذاعته ( لَبركة إف إم) – التي ينعتها هو بإذاعة وطنية – قبلة أسماع القمريين دون استثناء، لمعرفة ما يستجد في هذا الوطن الهاوي إلى مستنقع الفساد الآسن في جميع إدارات الدولة ومرافقها، وفي القطاعين العام والخاص بقصد التأثير في الرأي العام، وبالتالي إعلام لقمريين ما يجري داخل كواليس فساد الحكومات القمرية المتعاقبة.
شأنه شأن بعض الإعلاميين في بلاد العالم الذين نذروا أن يقولوا الحقيقة بأي وسيلة كانت ومهما كان الثمن غاليا عبر منابر الإعلام، غير عابئين بما سيحل لهم من عقوبات حتى وإن كان ثمن هذه الحقيقة حتفهم. في الحقيقة، لقد أزعج صوت عبد الله آغُوا البعض منا فبدأ يطعن في جهله وأميته متخذا ذلك ذريعة بعدم أهلية عبد الله لهذه المهنة فراح هذا البعض يتهمون الرجل بإحداث البلبلة في البلاد وتهديد الأمن العام هو وإذاعته وصوته المزعج، الأمر الذي أدى إلى القيام بعمل حسابات كثيرة من قبل الحكومات المتوالية بشأن هذا الرجل الحديدي.
هنا يحضرني في سياق حديثي وبين قوسين أمر مهم، وهو أن في حقبة الرئيس والزعيم الراحل الأخ علي صالح – صاحب الثورة التاريخية على الاستعمار والفساد السياسي والاجتماعي والأخلاقي بكل أشكاله وعلو صوته الذي كان ولا يزال يزعج بعض الناس حتى يومنا هذا- كان كل بيت قمري حريصا على اقتناء مذياعا من أجل متابعة ما كان يجري في البلاد آنذاك خلال خطب وأفكار الزعيم سالف الذكر. ونفس الشيء يحدث لآن، فتجد كل قمري يحاول شراء راديو ليستمع إلى ما يحدث في وطنه من خلال صوت عبد الله عبده حسن.
الفرق الوحيد بينهما – وإن كان يجمع بينهما الوطنية والشجاعة – هو أن الأول كان زعيما قائدا ورئيسا للبلاد، بينما الثاني هو مجرد إعلامي أوجدته الصدفة له مواقفه مؤمنا بقضايا وطنه المصيرية وبحرية الكلمة. ويبدو أن القمريين كانوا في حاجة ماسة في أي حقبة من حياتهم إلى إذاعة مثل لَبَرَكَه إف.إم، وإلى إعلامي جريئ في قول الحق كعبد الله آغُوا ليوقظهم من سباتهم من جديد ودفع مشاعرهم نحو حب الوطن. فقد وجدوا في شخصيته رجلا وطنيا فذا شجاعا، ومناضلا في هذا الميدان شاهدا على عصره يقتحم الممنوع بجرأته الشديدة في نقد الحكومات والشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية بهدف الدفاع عن الوطن وانحيازا للفقراء المقهورين؛ في الوقت الذي لا يوجد في ساحة الإعلام القمرية من يتجرأ من الإعلاميين والصحافيين الآخرين تفتيش حوزات السلطات القمرية وجيوب الشخصيات العامة خوفا من العقاب الأليم.
صحيح والحق يقال، هناك إجماع على أمية عبد الله عبده حسن، ومن ثم عدم قدرته على نطق وذكر المصطلحات العلمية بشكل صحيح، وهو جدال ظل يطارده منذ ظهوره في ساحة الإعلام حتى لحظة كتابة هذا المقال. لكني في المقابل، أرى أنه جدال عقيم غير مجد كونه ليس أمي العقل والبصيرة. فالأمر الذي ينبغي معرفته هو أنه منذ أن أبدع الله البشر لم ينعدم وجود شخصيات بارزة شجاعة بعضها وصفت بالعالمية والبعض الآخر وصف بالمحلية والوطنية، وفي مختلف الميادين اسطاعوا التأثير في مجتمعاتهم وغيروا في محيطهم وهم لم يدخلوا المدارس النظامية وحتى غيرها – وإن دخلوها فلم يخرجوا منها بشهادات عليا – واكتسبوا شهرة كبيرة بمناقشتهم القضايا الشائكة التي تمس أوطانهم ومجتمعاتهم والدفاع عنها، سواء كانت القضايا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية أو أدبية أو حتى إبداعية أو اختراعية وغيرها من الأمور.
فكما أن هناك إجماع على أمية آغُوا كونه لا يكتب ولا يقرأ، كذلك من الإنصاف الإجماع على وطنيته وكونه ظاهرة إعلامية لا جدال فيها شئنا أم أبينا. فبشيء من التعقل والتدبر في الوقت الذي يطلق الشعب القمري صيحاته وأناته من شدة وقع السياط على ظهره، نجد الرجل يقوم بدور محامي هذا الشعب ويدافع عنه وحقوقه بشدة. وهنا يمكن أن يطرح السؤال نفسه، من منا من القمة إلى القاعدة لا يستمع إلى هذا الرجل، ومن منا لم يتأثر به في زاوية من زوايا أحاديثه؟!
إن عبد الله عبده حسن حقا هو محاور جيد ومحارب عنيد وإعلامي ناقد فذ، استطاع أن يحاور معظم رموز الوطن البارزين في المجالات السياسية والدينية والاجتماعية، وإن هدف هذه الحوارات في اعتقادي هو التنوير لا غيره. ويبدو لي بل وأعتقد أن نسبة كبيرة من المجتمع القمري مقتنع بما يقوم به أغُوا، والدليل على ذلك ما نراه ونسمعه من ردود أفعال تصدر من المواطنين أنفسهم حيال ما يجري في البلاد. وهنا بات من الطبيعي إثر برامجه وحواراته أن ينقسم المجتمع إلى طرفي النقيض كما هو شأن أي مجتمع من المجتمعات في العالم. فقسم يقتنع بمواقف عبد الله المشرفة ويتعاطف معه ويقف بجانبه مؤازرا ومباركا معتقدا بأن ما يناقشه هو لب الحياة، بينما القسم الآخر لا يستسيغ ما يروم إليه هذ الرجل ويضرب كلامه عرض الحائط، ويرى أن أغوا ما هو إلا شيطان مارد يتمرد ضد كل ما هو خير للبلاد وأنه مجرد نقمة سلطه الله على القمريين.
الصحفي عبد الله آغوا في محطة بركه إف إم محاورا وزير الداخلية محمد داود كيكي عام 2017