غربة المواطن القمري الذي يتحدث بالعربية في وطنه

    إن قضية استنهاض العربية في البلاد القمرية تستدعي الباحثين أن يُكثِّفوا جهدهم المتواصل  في سبيل الذب عن العربية ، و الدفاع عنها ، حتى تستعيد العربية مركزها ، و تعود الأمور إلى نصابها و إلى سابق عهدها ؛ لأن المنافحة عن العربية هي منافحة عن ثقافتنا و هُوِّيتنا و أصولنا ، فليست اللغة العربية دخيلة في الأرخبيل القمري ، بل هي مكون أساسي ، و جزء كبير للثقافة القمرية ، و إذا ما أُزيحت عن مركزها اللائق بها فقد زُحزحت ثقافتنا ، و تلاشت ريحُنا ، و اندثرت شخصيتنا ، فـنحن حين نرى الذين يترأسون زمام البلاد لا يأبهون بشأن العربية ، و ليس في أنفسهم بصيص نور أن يخططوا في نشرها ، و إنما هي شعارات خارجية براقة لا انعكاس لها في أرض الواقع ، و إن نداءهم في الأندية الدولية و انتسابهم للعربية في خطاباتهم إنما هو زور و بهتان ، و مصالح شخصية يراد بها  المكاسب الكاسدة لا ريح لها و لا طعم ، يجب على الباحثين القمريين أن يشدوا و يشددوا و يتعاقدوا على الهدف الأسمى ، فـهُمْ حماة العرض و الشرف .
    إن الطالب القمري الذي تلقى العربية يشعر بالكآبة و الغربة في أرض تدعي حكامها أنها أرض العرب ، و مهد للعربية و العروبة ، لكنك تتأسف شديدًا على مُرِّ الأيام الذي يغصُّ متعة المواطن القمري المستعرب ، فهو المعزول كـمَن عليه جَرَب عن المشاركات الفعالة لدى الحكومة القمرية ، و يكفي أن أبلغك أن التخاطب في المجالس الكبرى المنعقدة لدى السلطات  تُناقش باللغة الفرنسية و إن جاوَزت فباللغة المحلية ، أين دور العربية التي ينددون لها في المجتمعات و الانتماء لها .
    عندما أكون في بلد عربي يعتبر الإنكليزية كلغته الثانية مثلا أو الفرنسية فلن تعدم أن ترى اللافتات في الشوارع مكتوبة عليها باللغتين ، لكنني في وطني لا أقابل لافتة إلا باللغة الفرنسية ، فـمن الذي يدلني على وجهتي التي أهيم إليها دون أن أشعر بالحرج كما هو متاح لمتحدثي الفرنسية ، و لكنني أعود و أسأل نفسي : هل رأيت في هاته البلاد الجوامع و المدارس التي اختص بها العربية إلا احتال عليها السلطات و أفسدوا جوَّها الجميل بإدخال شيء من الفرنسية حتى يُسقطوها ، و هذه كارثة جذورها تأصلت و صَلُبَت .
    مما يجب الانتباه عليه أن المواطن الذي يتكلم العربية لا يعرف شيئا عن شريعة بلاده ، فهي مكتوبة بالفرنسية و حسب ، و من حقي أن أعرف ما القانون الذي يحكمني ، و ما سبل الدفاع عن حقي ،و لكن إن لم يكن ذلك مشروحا بلغتي العربية التي أفهمها  فكيف أعرف  ؟ !
    و لو لم يكن ذلك كذلك فلماذا أُطالب حين أحمل شهادة عربية أن أترجمها إلى الفرنسية ثم أنال وظيفة ، أولستم تقرون بعروبة بلادكم  ؟!
    إن لم يكن ذلك صحيحًا فلمَ كنت لأسألكم ؟ !
    أنا الغريب في وطني ، و الشريد في أهلي ، أنا الوحيد ، فما خوفي من الموت  ؟ !!!
    إن فضية تعليم العربية في جزر القمر صارت قضية سياسية خارجية تجلب الحظ السعيد للسياسيين ، و تمنحهم أرقى المناصب ، لكنَّ هذا الدخان الخارجي المتصاعد ،  الذي نراه قد استعلى على سحاب السماء ، ليس تحت إبطه جمرة واحدة متقدة ، أو تستطبع إشعال نار ، أيها القمريون : لا تفقدوا ثقافتكم و تدعوها لأدراج الرياح  ، حافظوا على لغةٍ إذا خوطبتم بها خاطبَت الجوانحَ قبل الجوارح .

    عفيف إسماعيل يوسف 

    طالب دراسات عليا في اللغة العربية وعلومها- جامعة الأزهر

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top