ظلت جزر القمر بعد استقلالها عن فرنسا عام 1975 تعرف عنها بالانقلابات المتكررة وكانت هي أسرع طريقة للوصول إلى السلطة ولم يكن ليترك رئيس السلطة إلا أن بالانقلاب عليه، وكثيرا ما يتم ذلك عبر المرتزقة الأجانب. مما جعل الأرخبيل يدخل في دوامة عدم الاستقرار
نتج عن ذلك عدم قدرة الدولة في الوفاء بالتزاماتها تجاه المؤسسات المالية الدولية فضلا عن واجباتها نحو المواطنين
يضاف إلى ذلك الفساد الذي انتشر في مفاصل الدولة والذي كان يسبب في تغييرات متكررة للحكومات خاصة في عهد الرئيس سعيد جوهر ما بين عامي 1989 و 1995
وفي ذلك الوقت كان نجم السياسي محمد تقي عبد الكريم يسطع كالشمس في سماء جزر القمر واعتُبر آن ذاك مخلص البلاد من الأزمات الاقتصادية والفساد فقد أعلن مرارا أن هدفَه انتشالُ بلاده من براثن الفقر قبل أي شيء
وفي عام 1996 انتخب عبد الكريم الحاصلُ على شهادةٍ في هندسةِ الأشغالِ العامة رئيسا لجمهوريةِ القمر الاتحادية الإسلامية إلا أن التركة التي ورثها من أسلافه لن تكون إلا عبئا ثقيلا عليه وعلى شعبه
فسنوات عدمِ الاستقرار نتيجة الانقلابات المتكررة أنتجت ديونا أثقلت كاهل الدولة وفسادا أنهك الإدارة العامة ومعارضة شرسة لا تتمنى إلا سقوط النظام لتسليم مقاليد الحكم
ورث عبد الكريم حملا ثقيلا ومشكلات تحتاج إلى حلول عاجلة لإعادة التوازن للدولة فبدأ بتسريح الكثير من موظفي الحكومة واضطرت إلى تأجيل دفع مرتبات الموظفين لسداد خدمات الدين
تقزم دور الحكومة وباتت لا تتجاوز أنشطتها العاصمة موروني وغابت عن باقي البلاد
فكل المؤشرات كانت تدل أن انفجارا سيحدث خاصة في الغيابات المتكررة للرئيس عن البلاد في مساعي البحث عن استثمارات أو عن مساعدات
أزمة الانفصال :
بدأت المظاهرات تملأ شوارع مدينة موسى مودو في جزيرة أنجوان تحركها قادتهم الذين فقدوا مناصبهم في الحكومة، وكان الهدف منها الاستقلال عن جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية وفي الثالث من أغسطس عام 1997 أُعلِن الاستقلالُ في أنجوان بشكل أحادي وتم تنصيب رجلِ دين يُدعى عبد الله إبراهيم رئيسا للجزيرة
وفي رد فعل سريع أمر الرئيس عبد الكريم فور إعلان استقلال أنجوان بإرسال قوات الجيش الوطني إلى الجزيرة لإعادة النظام في قرار يبدو أن رئيس الأركان آن ذاك العقيد عثمان غزالي لم يكن يؤيده، إلا أن الانفصاليين كانوا جاهزين للمواجهة المسلحة وفشلت محاولة إعادة النظام بالقوة أمام مقاومة شرسة، انضم إليها الكثير من عناصر الجيش الوطني من أبناء أنجوان
فكانت النتيجة عشرات القتلى بين الجيش الوطني والمتمردين وأكثر من 80 أسيرا من الجيش الوطني أغلبهم من جزيرة القمر الكبرى وخسرت الكثير من الأسلحة التي وقعت في يد الانفصاليين
أصبحت الآن أزمة جزيرة أنجوان تستحوذ تفكير الرئيس عبد الكريم أكثر من الأزمة الاقتصادية وظل يطوف الدول الشقيقة والصديقة طلبا المساعدات العسكرية لاستعادة الجزيرة رغم وجود جهود الوحدة الأفريقية لإعادة الجزيرة سلميا
وفي السادس من نوفمبر 1998 توفي فجأة الرئيس محمد تقي عبد الكريم، لتبدأ الأمور من هنا تسير نحو الأسوأ
تولى ابن جزيرة أنجوان تاج الدين بن مسعود رئيسُ المحكمة العليا الفترة الانتقالية وبدأت الخلافات تنتشر بوتيرة متسارعة بين الانفصاليين في الجزيرة بين من يريدون تأسيس دولة ومن يريدون العودة إلى الاستعمار الفرنسي لتتحول إلى حرب أهلية مصغرة خلّف العشرات من القتلى والجرحى
وفي جزيرة القمر الكبرى بدأ الغضب يصعد بعدما رفض قادة أنجوان في الثالث والعشرين من إبريل 1999 التوقيع على اتفاقية انتنانريفو عاصمة مدغشقر لإنهاء الأزمة وتأسيس اتحاد جديد، واتُّهم الرئيس بن مسعود بعدم القدرة على حمل أبناء جزيرته إلى المصالحة الوطنية، لتبدأ حملات طرد الأنجوانيين من الجزيرة ولتجد جرز القمر نفسها أمام حرب أهلية شاملة
وفي السادس والعشرين من إبريل شرع الشباب في موروني يلاحقون كل شخص ينحدر من جزيرة أنجوان فقد بدأ طرد تجارهم من سوق فولوفولو والموظفين من مكاتب الدولة وصولا إلى منازلهم وباتت جزر القمر تقترب أكثر فأكثر إلى كارثةٍ إنسانية حقيقية
تدخل العقيد عثمان غزالي وقيادته المصالحة الوطنية
وفي الثلاثين من إبريل تدخلت قوات الجيش بقيادة رئيس الأركان العقيد عثمان غزالي لمنع الكارثة في انغازيجا في وقت كان يتواصل القتال بين فصائل المتمردين في جزيرة أنجوان وفي وقت اعتبر الحكومة الانتقالية عاجزة عن قيادة المصالحة الوطنية
وقد تمكن الجيش بعد تسلمه للحكم في موروني من وقف العنف ضد أهالي جزيرة أنجوان ومنع أي مظاهرة تحريضية ضدهم
وشكل تدخل الجيش أزمة أخرى سببت للبلاد رفضا دوليا وأفريقيا فقد اعتبرت منظمة الوحدة الأفريقية حكم الرئيس غزالي غير شرعي وكانت ترفض التعامل معه وطلبت منه إعادة الحكم إلى رئيس المحكمة العليا كما كان ينص دستور جزر القمر
وفور تسلمه السلطة فتح العقيد غزالي قنوات اتصال مع حاكم أنجوان العقيد سعيد عبيد عبد الرحمن الذي كان يخضع هو وجزيرته لعقوبات دولية بعد أن رفضت الجزيرة كل حلول الوسطاء الدوليين للعودة إلى جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية
اتفق الرئيس غزالي مع رفيقه عبيد عبد الرحمن على السير نحو التفاوض لإنهاء الأزمة وحقن الدماء المتبقية وعلى أن تُحل الأزمة بين الأشقاء في البيت القمري وسهل له الرئيس غزالي كل سبل التواصل مباشرة معه وقام بإمداد الجزيرة التي كانت تخضع للعقوبات كل ما يلزمها من احتياجات متجاهلا قرارات الوحدة الأفريقية
وبعد ما يقرب من عامين من التفاهمات، جلس كل الأشقاء المتخاصمين على طاولة حوار قمري وتنازل الجميع من أجل إنقاذ وحدة الشعب القمري وشبابه المدفوعين إلى جبهات القتال
وفي السابع عشر من فبراير2001 وقع المجلس العسكري في موروني وزعماء أنجوان الانفصاليون والمعارضة القمرية على اتفاقية تهدف إنهاء أزمة الانفصال في جزر القمر
وتم الاتفاق بحضور منظمة الوحدة الأفريقية ومنظمة الفرنكوفونية وكذلك الجامعة العربية على إنشاء كيان جديد يضمن تقاسم السلطة بينه وبين الجزر لتنبثق منه جمهورية القمر المتحدة
وشكلت لجنة مشتركة لصياغة دستور جديد ولكي يلبي الدستور متطلبات تقاسم السلطة تم تأسيس نظام فيدرالي يمنح سلطات واسعة للجزر ونص الدستور على تداول الرئاسة بين جزر الأرخبيل
انتخب الرئيس عثمان غزالي عام 2002 رئيسا للجمهورية في دور جزيرة القمر الكبرى لمدة أربع سنوات غير قابل للتجديد وسلم الحكم طواعية لأول مرة في جزر القمر للرئيس المنتخب أحمد عبد الله سامبي ابن جزيرة أنجوان عام 2006 ثم إكليل ظنين ابن جزيرة موهيلي وبعد عشر سنوات عاش فيها الرئيس غزالي وحزبه خارج الحكم عاد إليه من جديد وللعلم أنه حدث تعديل في الدستور يسمح لولايتين لكن مع إبقاء مبدأ تدوير الرئاسة بين الجزر
جزر القمر التي اكتوت من نار عدم الاستقرار السياسي قررت أن تَطوي الصفحة مع ذلك الماضي المؤلم لتنعم بالاستقرار منذ ما يقرب من ربع قرن بعد ما قررت نبذ عقلية الانقلابات وتمسكت بمبدأ مشاركة الجميع في نظام يؤسس لحكم الفريق وما كان ليتم ذلك إلا بعد أن تنازل قادتنا وعلى رأسهم فخامة الرئيس عثمان غزالي، من أجل وطنهم ليتركوا لأبناءهم وأحفادهم درسا مفاده أن جزر القمر لا يمكنها أن تنجب إلا الإخوة الأشقاء
حامد علي محضار