إن أجل العلوم اللسانية علم التصريف ، فلو جمعت ما جمعت و تجاهلت علم الصرف فما جمعت و ما زاولت علما ، يُروى أن الخليفة العباسي محمدًا المهدي التمس لولده هارون الرشيد مؤدبا فـأوتي بـمؤدب ، فقال له : كيف تأمر من السواك ؟ فقال المؤدب : استك فاك ، يا أمير المؤمنين ، فاسترجع الخليفة ، أي : قال ( إنا لله و إنا إليه راجعون) ثم قال : التمسوا لنا من هو أعلم من هذا الجاهل ، فـحُدث له عن الكسائي ، فلما جاءه قال له : يا أبا حمزة ، كيف تأمر من السواك ؟ قال : سُك فاك ، يا أمير المؤمنين ، فقال الخليفة : أحسنت و أصبت.
من هذا المضمار يقول العلامة ابن فارس :
و أما التصريف فإن من فاته علمُه فإنه المعظَم ؛ لأنا نقول : ” وَجَد ” و هي كلمة مبهمة ، فإذا صرفنا أفَضَتْ إلى المعاني المتغايرة التي تستفاد من جهة الاشتقاق ، فقلنا في المال ” وُجْدا ” و في الضالة ” وِجدانًا ” و في الغضب ” موجدة ” و في الحزن ” وَجدا ” .
قال الله – جل ثناؤه – ( و أما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) و قال : ( و أقسِطوا إن الله يحب المقسِطين) نرى كيف تحول المعنى بالتصريف من العدل إلى الجَور .
و يكون ذلك في الأسماء و الأفعال فيقولون للطريقة في الرمل : ” خِبَّة ” و للأرض المخصبة و المجدبة ” خُبة ” و تقول في الأرض السهلة الخوَّارة ( خارت – تخور – خَوْرا – خؤرا) و في الإنسان إذا ضعف ( خار – خَوَرا ) و في الثور ( خار – خُوارا) و يقولون للمرأة الضخمة ” ضِناك ” و للزُّكمة ” ضُناك ” و يقولون للإبل التي ذهبت ألبانها ” شَول ” و هي جمع شائلة ، و التي شالت أذنابها للَّقح ” شُوَّل ” و هي جمع شائل ، و يقولون لبقية الماء في الحوض ” شَول ” و يقولن للعاشق ” عميد ” و للبعير المتأكل السنام ” عمِد ” إلى غير ذلك من الكلام الذي لا يحصى. [ رحم الله ابن فارس ]
فضلت العربية على سائر اللغات لكثرة الاشتقاق ، فإن كثيرا من اللغات جامدة لا اشتقاق فيها ، و بعضها الاشتقاق فيها قليل ، و لذلك كانت العربية أوسع اللغات ، ما من معنى إلا وَجد في العربية أحسن المحل و أجل التعبير
عفيف إسماعيل يوسف