بقلم/ يوسف مباي علي – باحث في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بباريس
بعد الصفعة القوية التي ضربت المعارضة بانحياز الکولونيل صالح کمبانار للنظام کما يقال ، يسأل المحللون عما تبقی للمعارضة من أوارق ضغط في اللعبة السياسية الداٸرة حاليا في جزر القمر ؟
وما استراتيجيات المعارضة تجاه الشارع السياسي في الداخل والخارج من أجل إيقاظ النظام من أحلامه السياسية ، ؟ وما المحطات السياسية التي تطمع المعارضة الترکيز عليها في تغيير الوضع الراهن ؟
جملة من الأسئلة يطرحها الشارع القمري بعد زيادة مسلسل التخويف والإقامة الجبرية وموجة النزوح لکثير من منتسبي الحراك السياسي ، ففي ظل وتيرة السرعة التي تشهدها الأحداث السياسية في جزر القمر وديناميکية المراوغة بين أطراف النزاع ، کان لزاما منا أن نلقي نظرة سريعة حول أوراق اللعبة السياسية التي في حوزة المعارضة ، القاعدة الشعبية ، إستراتيجية المرحلة ، ومحطات النزاع ،
فليس من الغريب أن يستهين السلطة في بيت السلام کالعادة بقدرة المعارضة علی المراوغة السياسية و في إحداث فجوة سياسية تزلزل أرکان النظام في الداخل والخارج نظرا للتاريخ السياسي والمنظومة السياسية التي بنيت عليها الشارع السياسي في جزر أرخبيل القمر من جهة ، والعصا المغلظة التي يستعملها النظام في المساومة من جهة أخری ، إنما الغريب هو التمادي في التحدي الذي يمثل به النظام ، والغلو في البهجة والسرور ، کأن شيٸا -ما- لم يحدث رغم ما أريق من دماء الأبرياء وما أتلف من أموال طاٸلة وأعراق ثمينة بغية التطلع إلى أجواء من الحرية ، نعم أجواء من حرية التعبير ، واحترام الرأي الآخر ، حرية تقرير المصير دون ضغط أو إملاء خارجي
إلا أن رهانات الشعب القمري بما تسمى المعارضة وقدرتها على التکيف مع حجم تحديات الموقف السياسي الراهن بعد تنحي قاٸد المجلس الانتقالي وخضوعه لنظام الإمام الغزالي بدأت تتلاشی شيٸا فشيٸا حيث تعد نکسة خطيرة يمنی بها ليس لزعماء المعارضة فقط بل للشارع السياسي في الداخل والخارج کما هو اختبار صعب يحبس الأنفاس و لا يمکن تحليله في الأوقات الراهنة قبل معرفة بشکل لا لبس فيه مايدور حول کواليس الحادثة ، حيث الفاجعة تفوق فاجعة تزوير الانتخابات بل ستغير الأوضاع رأسا على عقب ، خاصة بعد الضغوطات والملاحقات غير القانونية في حق الأعضاء الباقين من المجلس الانتقالي وفرار البعض منهم ،
غير أن واقع الأمر لا يغير القدر ولا يمنع قدرة الشعب القمري من التکيف مع الواقع إذ إعتاد شعب الأرخبيل على مثل هذه التناقضات ، فهل تنهار عزيمة شعب بأکمله ببهتان من مٶامرات مکشوفة والتخويفات التي لا مبرر لها قانونيا ؟ ، إذ يری کثير من متابع تحرکات أفراد الأمن الداخلي بأن احتجاز الکولنيل کمبانرار ماهي إلا مجرد عملية مخابراتية کبرى تقودها عصابات من وزارة الداخلية ووزارة العدل القمري لإجهاض التحرکات الشعبية و إرغام زعماء الباقين الاختيار بين التوسل تحت نعل الإمام الغزالي وأعوانه وبين الفرار من المسرح الداٸر حاليا في البلاد
صحيح أن هنالك صعوبات حقيقية تواجه المعارضة في الداخل تتمثل في طردهم عن العمل والخوف من المستقبل المعيشي وغيرها من مآسات ،
إلا أن کل تحرکات سياسية لا بد من رکاٸز أساسية بمدة زمنية معينة يتم اعتماد عليها کل من الجبهة الداخلية والخارجية حتى تحقق أهدافها خاصة بعد النکسة الخطيرة التي منيت بها الحراك السياسي
فإعادة الهيكل التنظيمي للمجلس الانتقالي أصبحت أمرا ضروريا حالة و قبل وصول الشعب القمري إلى مرحلة من اليأس وانعدام الثقة ،
بل لابد من إفصاح قاعدة عريضة تضم عليها ممثلين من القمريين الشباب الناشطين في کل أنحاء المعمورة لمنع الانهيار التعاطفي الذي حظي به المجلس لدى الشارع القمري إبان التخريب الواسعة النطاق في العملية الانتخابية السابقة
في نفس الوقت لابد من تحديد مدة زمنية للحراك الشعبي ببرامج سياسية محددة وفقا لمتطلبات المرحلة و لا ينبغي إمهال النظام متسع من الوقت لبناء سجون جديدة بل لابد من تضييق الخناق بالمظاهرات في الداخل والخارج إذ لا يمکن أن يصمد النظام أکثر من ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات حيث کلما اتسعت رقعت الاحتجاجات زادت ارتباك النظام وکلما أعطي متسع من الوقت زاد من جرأة التنکيل والوعيد ،
فالشارع السياسي في الداخل مختلف تماما عن ما هو عليه في الخارج نظرا لکثير من معوقات لأن النظام يتحکم علی کل مفاصل الدولة بتسييس القضاء وسيطرة مٶسستي الجيش والإعلام مع اعتماد سياسة التخويف والمداهمة والتوقيف التعسفي دون محاکمة ، جملة من التحديات تواجه الشارع القمري
أما علی الماٸدة الدبلوماسية العالمية ، فإن النظام غير معترف حتی الآن لدی الدول الفاعلة والمنظمات الدولية کالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وکذلك منظمة الاتحاد الأفريقي مما يعني أن هنالك فرصة سانحة لتقويض تحرکات النظام في الخارج وقيام المجلس الانتقالي بمهام نشط لتعريف المنظمات الدولية عما آل اليه الوضع الداخلي في الأرخبيل للحيلولة دون مزيد من اعتراف دولي للنظام ،
وهنالك محطة مهمة ينبغي الوقوف والترکيز عليها وهي العلاقة بين الجالية القمرية الموجودة في أوروربا ودنمکية التحکم في الداخل إذ أنه لا يمکن في حال من الأحوال فصل ولا استهانة قدرة المغتربين القمريين ودورههم في مسرح السياسة الداخلية ومن يری غير ذلك فهو واهم تماما ،
أما باريس والموقف الراهن فإن بإمكان الجالية القمرية المتواجدة في ربوع فرنسا الضغط على باريس للمساندة في استتابة الأمن وإعادة الوضع الدستوري والطبيعي للبلاد وذلك بإرغامها لإعلان صريح عن وقوفها مع مطالب الشعب من أجل إعادة المسار الديموقراطي وإعادة انتخابات حرة ونزيهة تشرف عليها هيئات دولية مستقلة فتصريح واحد من شانز اليزی سيربك حسابات النظام ،
تلك محطة التحکم التي بقيت للمعارضة لإرغام الإمام غزالي علی الانصياع بمطالبهم أو علی الأقل الإحساس بأن هنالك شيء ما تغيرت في استراتيجية المعارضة وهو نقل المعرکة السياسية لعدة جبهات حيث لا يمکن الاعتماد کليا علی الجبهة الداخلية في نظام لا يحترم کرامة إنسانية ولا يفهم معنی الحرية کما لا يمکن للصيحات وحدها في الحارات الباريسية أن تسقط النظام في موروني بل لابد من توحيد الصلة بين الجبهتين لتنسيق المواقف وتوحيد التحرکات السياسية والدبلوماسية مع الحراك الشعبي في الميادين ،
والله غالب