بكل صدق لا أجد نفسي في فرنسا التي كبرت فيها والتي اخترت أن اقوم بأولى خطواتي في السياسة، أتؤسف بشدة بصفتي شخصا منتخبة، على رد فعل الحكومة الفرنسية تجاه هذه الأزمة وخاصة هذا السقوط اللفظي للنائب الجمهوري منصور قمرالدين الذي يسوق عبارات غير لائقة ومفترى محرضا على الحقد والكراهية. ويسانده في ذلك رئيس حزب الجمهوريين لوران وكييز هو الآخر أيضا بطل في القلب والمزج والذي يطلب، عبر رسالة حمقاء وغير مسؤولة على تويتر، من الحكومة الفرنسية وقف المساعدات المقررة لدعم التنمية في جزر القمر وذلك بعد رد فعل الحكومة القمرية الشجاع والطبيعي الرافض لاستقبال قمريين مطرودين في وطنهم بجزيرة مايوت.
ويثير منصور قمرالدين جدلا زائفا نتيجة لفشله في تلبية مطالب شعب مايوت الذين انتخبوه ويلجأ إلى لعبته المفضلة لعبة إثارة الحقد والكراهية، وبالأمس كان صديقه ساركوزي، رئيس الجمهورية، الذي دعا إلى تطهير كراشير بالكورنيف، في الواقعة المشهورة عام 2005. ويأتي اليوم دور منصور قمر الدين بدعوته إلى تطهير مايوت من إخوانه وأخواته من الجزر الأربعة. وقد تعود النائب الجمهوري منصور قمر الدين اللعب بالكلمات الخطيرة. وعندما قرر ساركوزي تنظيم انتخابات جعل مايوت مقاطعة فرنسية، كنا نحن المنتخبين الشيوعيين، أوائل من تحركوا نحو مايوت لشد انتباه المايوتيين لهذا التقطيع الإداري المزيف.
وقوبل زملاؤنا الشيوعيون بسخرية وتم التشهير بهم وتوصيفهم بكل الأوصاف من المايوتيين واليوم تواجه مايوت الحقيقة مع تخلف تنموي يشل ازدهار الجزيرة. ولتبرير عجزهم، يستند منصور قمر الدين وزملاؤه فقط إلى انعدام الأمن الذي يسود مايوت للتحريض على الكراهية والإيقاع بين الناس.
والسؤال الذي أطرحه على نفسي: كيف للرئيس ماكرون ورئيس وزرائه إدوارد فيليب من خلال موقفهما قبول تصريحات النائب منصور قمر الدين التافهة والمشينة؟ كيف يمكن لنائب برلماني تحدي دولة ذات سيادة، بدعوة فرنسا إلى عدم منح تأشيرات للدبلوماسيين القمريين والتوقف عن إصدار إقامات للمواطنين القمريين المقيمين بطريقة شرعية في فرنسا على أساس أن الحكومة القمرية وجدت الشجاعة والجرأة في رفض استقبال قمريين طردوا من بلادهم في مايوت؟ هل ينبغي أن نذكر فرنسا أن أرخبيل جزر القمر مكونة من أربعة جزر؛ القمر الكبرى وأنجوان ومايوت وموهيلي؟ هل يمكن لفرنسا الاستمرار في انتهاك القرارات الدولية التي تدين الاحتلال غير الشرعي لجزيرة مايوت القمرية؟ وإلى متى؟
وأنا هنا أوجه دعوة إلى النائب الجمهوري منصور قمردين أن يتحمل مسؤولياته ويكشف الحقيقة لإخواننا وأخواتنا المايوتيين. إن الأسباب التي قادت إلى تلك الاحتجاجات ليست ناجمة عن أسباب أمنية فحسب لكنها نتجت خاصة عن تخلي السلطات الفرنسية لمايوت وبتآمر من النواب المايوتيين والذين لم يستطيعوا التفاوض على نفس الحقوق التي تتمتع بها المقاطعات الفرنسية الأخرى، فبدلا من التحلي بالشجاعة في طلب السلطات الفرنسية بتنمية تتناغم مع المقاطعات الأخرى يحملون المسؤولية للقمريين الآخرين المتواجدين في بلدهم مايوت
لم يجد النائب منصور قمر الدين بلا شك فرصة الاطلاع على التقرير الذي أعده كريستوف روشلاند دكتور الجغرافيا السياسية من المعهد الفرنسي الجيوبوليتيكي (باريس 8 ) حول مايوت والذي يعترف بأوضح عبارة : ” تفوق مايوت التقديرات في مستوى التخلف الإنمائي في المناطق الفرنسية وفي الاتحاد الأوروبي” فخلافا عن مقاطعات أخرى يتغلب البؤس على مايوت: يعيش 84% من الشعب تحت خط الفقر بلغ مستوى البطالة لدى الشباب ولدى النساء أكثر من 47%”.
ما يحدث في مايوت اليوم يدعو إلى تدخل السلطات الفرنسية والقمرية. ومن غير المعقول من فرنسا في القرن الـ 21 أن تغض الطرف عن المآسي التي تحدث في مياه جزيرة مايوت القمرية. وقد سمت قناة “الجزيرة القطرية” جزيرة مايوت بـ “جزيرة الموت”. لقد حان الوقت لإيجاد حلول لأن ذلك يشوه صورة فرنسا التي عرفناها كدولة تحترم حقوق الإنسان
حان وقت الحوار والتشاور، ولا ينبغي للمصالح الفئوية أن تكون لها الأسبقية على مصير شعب بأكمله ويستدعي ذلك التزام ثابت من الحكومة الفرنسية التي تتبع بلا شك استراتيجية خاطئة في مايوت، وهذه الإجراءات الأمنية المتخذة على عجل لإغراق الحقيقة غير مجدية، الحوار فقط هو الذي يستطيع حل المشكلة، ولا نحتاج إلى رواندا جديدة في مايوت كما يلوح ذلك في الأفق ولا نخاف من أن نقوله.
أحب فرنسا بلدي الذي استضافني بقدر ما أحب جزر القمر بلدي الأصلي ولن أقف على أية حال بجانب أصحاب الكراهية والمتشائمين الداعين إلى الفوضى، وللقمريين الحق والواجب في طلب جزيرتهم، حتى ولو كان ذلك في اليوم أمام مثل هذه الكارثة، وقد وجد مدافعو حقوق الإنسان بالأمس أنفسهم مندفعين إلى شعبوية عصرية حتى فقدوا الإحساس في كفاحهم، وأطلق من هنا نداءً إلى السلطات الفرنسية والقمرية ليتوحدوا على نفس الطاولة لإيجاد حل لهذه الأزمة.
بقلم أمينة مويني مستشارة بلدية وإقليمية ،بلدية لاكورنويف فرنسا
نقله من الفرنسية حامد علي محضار وراجعه صفوان عُمور عبدالله