ما زال الحديث عن جرثومة اللحن متواصلا ، و ما يزال البحث عن سبل الحماية جاريا ، و لما كان اللحن على لسان الأديب أفحش من غيره ممن ليس بأديب ، وعلى طالب العلم أقبح، وجب على الجميع السعي إلى تغطية هذا الجانب بقدر الإمكان ؛ لأنه إذا كنت أنت طالب العلم لا تراعي هذا الجانب – مع أنك صاحبه – أفـغيرك ممن لا يوصف بصفة العلم يفعل ؟ !
و لا أُعِني بهذا دارس العلوم اللسانية فقط ، بل كل طالب علم ، و بالأخص الذين يتلقون العلوم الشرعية ، لأنه كما ذكر أحد أيمَّة السلف لمَّا سمع حديث الرسول – صلى الله عليه و سلم – ( من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) قال : أخشى أن يكون اللاحن في الحديث النبوي داخلا في هذا الوعيد الشديد ؛ لأن اللاحن يصرف الكلام عن وجهه الذي قال به الرسول فيكون قد كذب عليه ، فينبغي أن يكون طالب العلوم الشرعية أحرص الناس على معرفة العلوم اللسانية ، و أشد الناس حرصا على إقامة لسانه.
قد شرعنا في اللقاءين الماضيين نُجلِي مواقف إسناد الأفعال إلى الضمائر ، و رأينا كيف يُسند الفعل الصحيح و المهموز و المضعف و المثال إلى الضمائر ، و في لقائنا اليوم نتمم ما بدأنا به ؛ إذ لم نكن انتهينا منه كما نبهنا سابقا ، و الحديث اليوم عن باقي الأفعال و هي ثلاثة ( الأجوف – الناقص – المفروق ) فالأول الأجوف : و هو كل فعل ثلاثي معتل العين ، و سمي كذلك لخلوِّ جوفه ، أي : وسطه من حرف صحيح ، نحو : قال و باع و جال و طاف خاف و طال ، و ينحصر القول فيه على ثلاثة مواضع :
الأول : أن تكون عينه معلولة ، و لامه متحركة ، فتثبت العين في حال اتصاله بضمائر الرفع الساكنة ، أعني ( ألف الاثنين و الاثنتين – واو الجماعة ) كقولك : الرجلان قالا و خافا و جالا ، و الرجال قالوا و خافوا و جالوا و طافوا .
و إذا اتصل به ضمير رفع متحرك كـ ( تاء الفاعل – و نون الإناث) حذفت عين الفعل ، نحو : قلت – قلن .
فإذا كانت عين الفعل واوًا كما في ” قال طاف – جال ” على وزان ( فعَل ) بفتح العين ضممتَ الفاء بعد اتصاله بالضمير و تقول : قُلت – طُفت – جُلت ، و الحاصل هو أنك حوَّلتَ وزن ” فعَل ” بفتح العين إلى ” فعُل ” بضم العين ، ثم نقلت الضمة التي كانت على العين إلى الفاء ، فحركة الفاء هنا و هي الضمة تدلك على أن العين واو.
و إذا كانت عين الفعل ياءً كـ ( باع – حار ) تقول : بعت و حِرت ، بكسر الفاء ؛ للدلالة على أن العين ياء ، لكنك حولت الفعل من ” فعل ” المفتوح العين إلى ” فعِل ” المكسور العين .
الثاني : إذا كانت لامه ساكنة و ذلك كأن يكون مضارعا مجزوما أو أن يُبنى على الأمر ، نحو : لم يقل ، قُل ، كذلك تحذف العين ، إلا إذا كان مجزوما بحذف النون أو مبنيا على حذفها ، كـ : لم يقولا و لم يقولوا – قولا و قولوا ، قال الله تعالى ( و قولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى / طه) .
الثالث : أن تكون عينه على ” فعُل ” بضم العين ، أو ” فعِل ” بكسرها فإنك لا تحولهما ، و إنما تنقل حركة العين إلى الفاء ؛ للدلالة على البنية ، تقول : طُلت – خِفت ، بالضم في الأول و الكسر في الثاني ، و المزيد منه مثل الثلاثي ، تحذف عينه إن كانت لامه ساكنة ، و أعلت عينه بالقلب كـ ” أقمت و استقمت – اخترت و انقدت ” و إن لم تعل العين لم تحذف مثل ” قاومت – قوَّمت ” .
الفعل الثاني، الناقص : و هو ما كانت لامه حرف علة نحو : غزا – خشي – سرو ، فإذا كان ماضيا و أُسند إليه واو الجماعة حذف منه حرف العلة و فتح ما قبله إن كان المحذوف ألفا ، تقول : سعَوا ، فإن كان واوًا أو ياء ضُمَّ ما قبله نحو : سروَ سرُوا – رضي رضُوا – رمي رمُوا ، و إذا أسند إلى غير الواو من الضمائر البارزة بَقِي حرف العلة ، و تقلب الألف حينئذ واوًا أو ياء حسب أصلها إن كانت ثالثة تقول : سرونا – رضينا – غزا غزونا – رمى رمينا – غزوَا رميا ، فإن زادت الألف على ثلاثة قلبت ياء مطلقا ، مثل : أعطى أعطيت أعطينا .
و إذا لحقت تاء التأنيث ما كان آخره ألف حذفت ، نحو : غزت – رمت ، بخلاف ما إذا كان آخره واوا أو ياء فلا يحذف منه شيء ، نحو : رضيَت – سَرُوَت .
أما إذا كان ألفا و أسند إلى واو الجماعة أو ياء المخاطبة فيحذف حرف العلة ، و يفتح ما قبله إن كان المحذوف ألفا كما في الماضي ، و يؤتى بحركة مجانسة لواو الجماعة ، أو ياء المخاطبة إن كان المحذوف واوا أو ياء نحو : يسعى – الرجال يسعَون – تسعَين يا هند ، و في نحو : غزا و رمى – الرجال يغزُون و يرمُون – تغزِين و ترمِين يا هند ، و إذا أسند لنون النسوة لم يحذف حرف العلة ، بل يبقى على أصله، غير أن الألف تقلب ياء ، مثل : النساء يغزون و يرمين ، و في نحو : سعى – هن يسعَين .
و إذا أسند لألف الاثنين لم يحذف منه شيء أيضا ، و تقلب الألف ياء نحو : هما يغزوان و يرميان.
و فعل الأمر كالمضارع المجزوم في كل ما سبق ، تقول : اغزُ – اغزوَا – اغزوا – ارم – ارميا – ارموا – اسع – اسعيا – اسعَوا ، و في المؤنث و جماعتهن : اغزي – اغزين – ارمي – ارمِين – اسعَي – اسعَين .
الفعل الثالث هو اللفيف : و هو نوعان : لفيف مفروق و لفيف مقرون.
فالمفروق : ما كان فاؤه و لامه حرف علة كـ : وقى – ونَى
و المقرون : ما كانت عينه و لامه حرف علة ، مثل : طوى – جوى.
فحكم فاء المفروق كـحكم فاء المثال مطلقا ، و حكم لامه كـحكم لام الناقص ، و إن كان مقرونا فـحكمه حكم الناقص.
و نكون قد انتهينا من باب إسناد الأفعال للضمائر ، و عرفت كيف يسند للضمير إلى كل فعل .
اللهَ أسأل أن ينفعك بما علمت ، و يبارك لك فيما وعيتَ ، إنه و لي ذلك ، و بالإجابة جدير ، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم ، و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين !
عفيف إسماعيل يوسف
طالب دراسات عليا في اللغة العربية وعلومها- جامعة الأزهر