هل جزر القمر فعلا وطن مستقل؟

    سلطان يوسف رسول باحث دكتوراه في التاريخ
     الوطن ليس أرضا نعيش عليها، ولكن هو كيان يعيش فينا، ويوم الاستقلال ليس كباقي الأيام، وتاريخ ليس كأي تاريخ، إنما هو تاريخ صنعه رجال عظماء ولم تصنعه المصادفة.
    إن تخليد ذكرى يوم الاستقلال يعد مناسبة وطنية لاستلهام ما ينطوي عليه من قيم سامية وغايات نبيلة لإذكاء التعبئة الشاملة وزرع روح المواطنة التواقة إلى أفاق أرحب ومستقبل أرغد، خدمة لقضايا الوطن وإعلاء مكانته وصيانة وحدته والمحافظة على هويته ومقوماته والدفاع عن حرياته وتعزيز نهضته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الثقافية.
    وعيد الاستقلال الذي يزورنا منذ ٤٤ عاما هذه الذكرى، التي يفترض أن تحمل الكثير من المعاني الإيجابية للمواطن القمري، أصبحت مشهدا احتفالية، فحسب، يقام كل عام.
    فقد أصدر مجلس النواب بيانا في 6 يوليو 1975م وبموافقة 33عضو دون أي رفض، يعلن فيه استقلال الدولة عن فرنسا، وقد تغيب ممثلي جزيرة مايوت أثناء المناقشة، وبذلك أعلن الرئيس عبدالله عبد الرحمن استقلال جزر القمر عن فرنسا من طرفه، منهيا بذلك عهود الاستعمار-  لتعلن فرنسا بعد ذلك قبول الاستقلال ماعدا جزيرة مايوت.
    وبذلك أصبح تاريخ 6يوليو 1975م عيدا وطنيا للاحتفال بالاستقلال، ولكن هل استقلت جزر القمر فعلا؟ هذا التساؤل يطرحه معظم الشعب القمري، لأنهم حتى اليوم لم يعيشوا استقلالا كاملا ناجزا بعد، ومازال وطنهم محتلا.
     أما إذا عدنا بالتاريخ القمري لوجدناه مليئا بالأحداث التي منعت عن هذا الوطن  الراحة، وكأنه مكتوب عليه أن يعيش بين صراعات سياسية، ودون استقرار كامل، فقد أخفقت النخبة السياسية المتعاقبة منذ 1975م في تحقيق مشروع الدولة الوطنية الحديثة، وعوضا عن ذلك دخلت الجزر في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي، وهذا ما تجسده ظاهرة الانقلابات العسكرية والاغتيالات السياسية التي ميزت الحياة السياسية القمرية، كما أنه لا يمكن تجاهل الدور الفرنسي الفاعل حيث توجد قاعدة عسكرية في جزيرة مايوت المحتلة، وعلي الرغم من الإنكار الفرنسي الرسمي بعدم تورطها في الأزمات السياسية القمرية، فإن الشواهد كافة تؤكد ثمة يدا فرنسية خفية، تحرك الأمور في الجزر وفقا للمصالح الاستراتيجية الفرنسية ليس فقط في جزر القمر وإنما في منطقة المحيط الهندي.
    44 عاما من الاستقلال ضاعت في الزواريب السياسية، ويشعر معظم المواطنين أن بلدهم غير مستقل، لا بل هم يعتبرون أنه لم يكن يوما كذلك.
    من دون الغوص في التجارب التاريخية السابقة يمكن تأكيد هذا الأمر من خلال الواقع الحالي، حيث الأزمة السياسة التي تواجه جزر القمر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أصبحت أكثر تعقيدا في وطن مليون نسمة ويتميز بالتنوع الثقافي والتاريخي، ويعتمد ثلاث لغات رسمية وهي (اللغة القمرية واللغة العربية والفرنسية)، والتوتر السياسي لا يرتبط بالتغير الاثنين والقبلي، والذي لا يشكل عاملا أساسيا في أزمة جزر القمر الحالية، نظرا لحالة التجانس التي يتمتع بها المجتمع، حيث يدين غالبية السكان بالإسلام على المذهب الشافعي، وعليه فإن الأزمة السياسية في جزر القمر هي صراع من أجل السيطرة السياسية بين جماعات النخبة التي تجد مصالحها في إبقاء يد الحكومة أعلى مما سواها في أمور السلطة والثروة، وبين هؤلاء الذين يسعون إلى تأسيس نمط من الفيدرالية الهشة لصالح تقوية مراكز الأقاليم .
    في هذا السياق، أري أن جزر القمر منذ الاستقلال، ساحة للصراع السياسي، مع العلم أن هذه الصراعات على مدى السنوات السابقة، المشكلة الأساسية فيها هو غياب الانتماء و عدم إعلاء مصلحة الوطن على المصالح الشخصية.
    أما بالنسبة إلي الانقسام الحالي، أرى أن المطلوب هو البحث عن صيغة جديدة ترضي جميع مكونات المجتمع القمري.  وفي المحصلة هناك فئة كبيرة لا تشعر بالاستقلال، وترى أن بلدها مرتهن إلى الخارج، لا يملك قراره أكثر من وقت مضى، فهل هناك من مخرج من هذا الواقع؟

    الصورة من صفحة الرئاسة القمرية على الفيسبوك


    الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن موقف إدارة الموقع يتحمل فقط كاتبه كامل ما يرد فيه من آراء

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top