وما قوم لوط منكم ببعيد

    جميع الأحداث الأمنية التي تحدث في أفريقيا تحمل دلالات واضحة ، النظام الأمني الفرنسي في أفريقيا ترسل رسائل مبطنة ذات بُعد تهديدي للقيادات الأفريقية و القمرية  جزء منها، التي كانت تتلقى كافة الدعم الفرنسي وتحولت إلى قيادات أفريقية عالة على فرنسا وغير ديمقراطي  و التي فشلت في التعاطي بالإيجابية مع قضايا الهجرة الأفريقية إلى فرنسا تحديداً و حقوق الإنسان و الاستبداد و سبّب في توتر العلاقات الرقيقة و العاطفية بين الشعوب الأفريقية و الحكومات الفرنسية مفادها :
    • فك الارتباط السياسي
    • استبدال القيادات القديمة بقيادات جديدة تتعاطى بإيجابية مع القضايا التي تؤرق فرنسا
    • القيادات القديمة لا تتوافر فيها أدنى شروط الحكم الرشيد لذلك يجب التخلص منها
    كان الرئيس الفرنسي أولاند قد تعهد بعدم التعامل مع أنظمة  دكتاتورية لا تحترم شعوبها، ولا تشرع في إصلاحات واضحة علي الأرض ، و أنه قرر أيضاً صراحة  أنه سيقاطع البرنامج الفرنسي القديم (فرانس ‌أفريك). ويعتبر هذا البرنامج جزءاً من شبكة كبيرة وقديمة ومعقدة تضم أفارقة وفرنسيين من الساسة والمثقفين ورجال الأعمال والاستخبارات والعسكريين الذين يقومون بوضع خطوط مستقبل أي حاكم أفريقي وتحديد علاقته مع باريس، وهي تتحكم في مصير حكام القارة الأفريقية الذين تدعمهم  فرنسا في المجال السياسي والمالي، وتثبيت أركان الحكم  في بلادهم ، هذا النوع من الخطاب يخاطب ضمير و إرادة الشعوب الأفريقية التي كانت في السابق لا يستشيرها أحد في حكمها ولا تأخذ بعين الاعتبار تطلعاتها  و آمالها السياسية من أجل تحقيق مصالحها، وهذا أيضا يجسد بحق مسؤولية فرنسا التاريخية و يعكس التزامات فرنسا تجاه الشعوب الأفريقية و ليست الأنظمة الاستبدادية بأفريقيا ،
    و يمكن قراءة هذا النوع من الخطاب و إجراء مقارنة بسيطة للأحداث الأمنية التي تجري في تشاد، هي ثورة فرنسيا و محاولة منها لرسم خارطة طريق جديدة لأفريقيا سياسيا ، عكس ما كانت متبع سابقا ، و هذا يقود إلى إيجاد صيغة سياسية جديدة بديلة عن برنامج ( فرنس أفريك ) الهدف منها التقرب الفرنسي أكثر من الشعوب الأفريقية  بدلا من القيادات السياسية ، التخلص من القيادات الفاشلة التي أصبحت عبئا ثقيلا على فرنسا و التي كانت سببا في إدخال باريس في حرج  دولي عندما وجدت نفسها أمام كم هائل من المهاجرين الأفارقة الفارين إلى أراضيها بسبب ممارسات سياسية غير إنسانية يقوم بها قادة تدعمهم باريس سياسيا و ماليا و عسكريا و أيضا تسعى فرنسا إلى مصالحة الشعوب الأفريقية ،
    القيادة السياسية القمرية لا بد لها من مراجعة دقيقة في كثير من القضايا التي تتعلق بمسألة حقوق الإنسان ، الديمقراطية، الهجرة من جزر القمر المستقلة  إلى مايوت ، ما حدث في تشاد من أحداث أمنية لا يُستبعد ان يحدث في بلدنا الأفريقي الجميل ، كافة المعطيات و المؤشرات تشير إلى احتمالية حدوث حالة أمنية تقودها فرنسا بأدوات محلية ( الحرب بالوكالة)
      فقط علينا أن نتذكر هذا الحدث المِفصل المهم التي تعكس الصورة الحقيقية  في عقلية الحاكم في باريس ، سنة ١٩٧٥ تولى الرئيس علي صالح الرئاسة نتيجة انقلاب أبيض ثم تم اغتياله سنة 1978، وتولى أحمد عبد الله الرئاسة في جزر القمر بفضل انقلاب نظمه المرتزق الفرنسي بوب دينارد، عزز أحمد عبد الله سلطته بدعم كامل من فرنسا .
    بعد 11 سنة، يوم 26 من نوفمبر/تشرين الثاني 1989 اغتيل أحمد عبد الله بموافقة فرنسا من خلال المرتزق بوب دينارد.
    هنا كانت نقطة البداية، تجربة الاغتيالات كأداة للتغيير و التخلص من القيادات التي لا تنسجم مع الرؤية الفرنسية ،
    يُمثل نبي الله شعيب واحداً من أبرز «الإصلاحيين». حكى القرآن الكريم قصته -عليه السلام- ، ووصف كيف واجه ظلم أهل مدين وغشهم وميلهم إلى بخس الناس أشياءهم ورضاءهم بفساد الواقع.
    تفاصيل كثيرة تجدها في القرآن الكريم حول هذه الشخصية المميزة، لكنني أود التوقّف أمام نصيحته لقومه بهذه العبارة البليغة «وما قوم لوط منكم ببعيد». ويقول الله جل وعلى فيها : «وَ يَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِى أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ» .

    محمود ناصيف مهوما

    كاتب ومحلل سياسي قمري

    كل الآراء الواردة في المقال يتحمل الكاتب فقط كامل المسؤولية

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top