الاستقلال السياسي ..واستغلال كورونا في عالم السياسة

    سألقي الضوء في هذه المقالة على قضية خطيرة بين جزر القمر وجزيرة مايوت التي مازالت تحت الاستعمار الفرنسي .
    اللافت للنظر أن هذا الموضوع ليس فقط محليا بلْ فيه تبادل التهم بين دولتين كبيرتين؛ الولايات المتحدة ، ودولة الصين ، بنشر الفيروس لأسباب انتقامية بغيّتها الحرب الاقتصادية التي شنتها الرئيس الأمريكي Trump على الصين، ولا يهم تشكيل لجنة عالمية من كافة الدول، لتوحيد الجهود لمكافحة هذا المرض، بل شغلها الشاغل هو الاستحواذ على الشركات المنتجة للقاحات لاحتكارها، ومن خلاله وصلتْ الخشية إلى حد الرعب وكأن حربا عالميا ثالثة على الأبواب .
    وفي سياق متصل نشرت بعض الصحف العالمية مقالات عن كيفية تعامل الصين مع انتشار الفيروس وكيف ستسعى من النجاح الذي بات تحققه في محاصرتها لأماكن الوباء، لتسجيل انتصار سياسي وإعلامي على الولايات المتحدة وأوروبا. مع العلم أن كورونا هو الأخطر من بين كافة الفيروسات التي شهدها العالم ، والذي يقتضي  جهدا عالميا لمقاومته.
    وفي وسط تزايد ضحايا الفيروس ، وانتشار الذعر في معظم دول العالم،  تزامن مع الكارثة  مزيج من نظريات المؤامرة التي بدأت تسلط عليها الأضواء  كالتي تتحدث عن ظهور المرض بسبب يعود لكونه سلاحا بيولوجياً، والتي تهدف من وراءها استغلال الجائحة من جميع الأصعدة سياسيا واقتصاديا، من جانب الساسة والمسؤولين الذين يعملون على توظيف المؤامرة لتخويف الناس لأغراض خاصة، وفي الوقت ذاته تتهم قوى المعارضة الحكومات بخداع الشعوب حول الواقع الفعلي لكورونا.
    وفرضت الحكومة القمرية قبل أسابيع من انتشار الفيروس القاتل، إجراءات احترازية لمنع وصول المرض إلى جزر القمر، وكما أُغلقت المساجد ومُنعت التجمعات، وحجرت التنقلات عبر الحدود البرية والجوية ، تحسبا من نقل الفيروس من جزيرة مايوت إلى الجزر الثلاثة الأخرى. والدافع وراء هذه الإجراءات هو عدم امكانية الدولة التعامل مع هذه الكارثة العالمية، في جميع الميادين في الدولة، وخاصة القطاع الصحي.
    انبثقتْ فكرة كتابة هذه المقالة من خلال خبر نشر في موقع جزر القمر الالكتروني بعنوان:  فيروس كورونا ينعش الخلافات القمرية الفرنسية وسلطات مايوت تقول: وفاة المفتي سببها COVID19).
    ومن هنا تساءلتُ؛ ما الغرض من استغلال كورونا سياسيا بين جزر القمر وفرنسا عبر ( جزيرة مايوت القمرية)؟ وكيف تم ربطه ونسقه بالقضية المأساوية الراهنة؟
    وبين عشية وضحاها ظهرت المفاجأة بأن القضية لها صلة بالاكتشافات النفطية في المحيط الهندي في الجزء الشرقي  لساحل إفريقيا.
    وفي الوهلة ذاتها تذكرت بمقالة دكتورة أمنية العزيمي بعنوان: مايوت.. يتجه شمالا، وعرضتْ الدكتور القضية التاريخية بين جزر القمر ومايوت على جريدة البيان الالكترونية، محتوى هذه المقالة أعطاني خطوطا عريضة لاستعراض أسباب استغلال كورونا سياسيا بين جزر القمر وفرنسا.
    انطلقت الحياة السياسية في جمهورية جزر القمر منذ الاستقلال عام 1975م، برجل البحرية الفرنسية سابقا، والذراع العملية الاستخباراتية الفرنسية ((لا حقا))، “جوبتير أدون”، أو “بوب دينار” مؤسس ما يسمى “بالجيوش الخاصة”، والذي جاءت أخباره مباشرة من سيد أفريقيا ((((في الإليزيه)))، جاك فوكار ومهندس استراتيجية فرنس “فريك” في ستينيات القرن الماضي.
    من الجدير بالذكر أن جزيرة مايوت ليست هي الجزيرة الوحيدة في المحيط الهندي، الواقعة تحت الإدارة الفرنسية، فقد سبقتاها جزيرتان ؛ تروملين ولاريونيون، التابعتان لدولة موريشيوس، وجزيرة نوفا ، التابعة لمدغشقر، وهناك مقاطعة أديلي لاند، التي حصلت عليها فرنسا ضمن معاهدتها المعروفة “باسم أنتاريتكا”، وتقضي تلك المعاهدة بإعطاء أي دولة حصة من القارة القطبية الجنوبية، من أجل إجراء التجارب العلمية السلمية، والحفاظ على النظام البيئي للقارة، أو بإقامة قواعد عسكرية، ولكنها تمنع التخلص من النفايات النووية أو القيام بأنشطة تعدينية.
    ويدرك الساسة في جزر القمر أن تمسك باريس بجزيرة مايوت القمرية لغرض اقتصادي بحت، جاء من بعد توافد الشركات العالمية العاملة في مجال النفط جنوب المحيط الهندي، بناء على تقرير أكدت فيه شركة “ديسكفر إكسبلوريشن”، أن جزر القمر ومنطقة جنوب المحيط الهندي مصنفة من الدول المنتجة للنفط في قابل الأزمان، وِفقاً لنتائج الدراسات تحت الماء، التي أجريت في المنطقة الاقتصادية الخالصة .
    فإنه من الممكن لجزر القمر أن تنتج سبعة مليار برميل من النفط في هذا المشروع فقط، ناهيك عن العاز.
    ومن هنا بدأت باريس بتشديد الرقابة في الوصول إلى جزيرة مايوت،((( عبر سياسة تأشيرة تقيدية)))، ووسائل أمنية مكثفة من رادارات ، وسفن ((حربيّة)) ومروحيات، لقد أدرينا دراية تامة عما تقوم به باريس، فإن أكثر ما تخشاه باريس هو استقلال مايوت وطلب العودة إلى جزيرة القمر الكبرى. فبعد احتجاجات مارس الماضي ضد السياسة الفرنسية، وانعدام الأمن، أدركت وزيرة أقاليم ما وراء البحار، “السيدة أنيك جيراردان”، التي ساهمت في تهدئة وضع المتظاهرين، أن الأمور في مايوت يجب ألا تخرج عن الإطار المحدد لها .
    تعمل باريس اليوم على ضمان حقوقها النفطية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، التي تشترك فيها جزيرة مايوت مع جزيرة أنجوان، وأقصد بالمنطقة الاقتصادية الخالصة، لكونها المنطقة التي تتمتع فيها الدولة بحقوقها الخاصة، في ما يتعلق باستكشاف واستخدام الموارد البحرية، بما في ذلك إنتاج الطاقة من المياه والرياح. والفرق بين البحر الإقليمي والمنطقة الإقليمية الخالصة، هو أن الأول يمنح السيادة الكاملة على المياه، في حين أن الثاني هو مجرد حق سيادي، يشير إلى حقوق الدولة الساحلية تحت سطح البحر، ومن الجدير بالذكر أن فرنسا تمتلك أكبر منطقة اقتصادية خالصة في العالم بسبب إداراتها بأقاليمها الخارجية المتعددة المنتشرة المتناثرة في أقطار العالم.
    والخلاصة : أرى أن استغلال كورونا سياسيا من قبل فرنسا أداة ضغط واستنجاد لورقة جديدة إلى التفاوض مع الحكومة على هذه الثروات الطائلة التي تعد حقا محضا للشعب القمري المسكين. وهنا يتجلى أن فرنسا تستخدم سياسة خبيثة لإخضاع الحكومة القمرية وإذعانها، تحت مسميات خادعة وبأدوات معتادة استخدمتها في العالم، لأجل مكاسبها الاقتصادية المجرة. وختاما؛ أرفع شعار الاستقلال السياسي و الاقتصادي والعسكري.. هو ما أنتهي به كحل.

    سلطان يوسف رسول

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top