القراءة السياسية لرسالة الرئيس ماکرون إلى نظيره الإمام غزالي عثماني ، المحتوى والمضمون وفقا للمحللين السياسيين

    بقلم/ يوسف مباي علي – باحث في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بباريس

     إنه ليس من البديهي في المراسلات الدبلوماسية الخاصة بالبرقيات أن تشرح فيها اللقاءات السياسية وتأكيد الاتفاقيات المبرمة بين الأطراف إلا أنه من الطبيعي جدا وفقا للمصطلح المعروف بالمصلحة القومية في العلاقات الدولية ، وبطبيعة الحال أن لا تترك باريس الأمور لتصل إلی وضع سياسي لا يمکن التدارك فيها للدفاع عن مصالحها لأن مصلحة باريس لها عمق استراتيجي لا يستهان بها في استقرار الوضع داخل موروني ، إذ إن الأوضاع الداخلية على أراضي الأرخبيل ستنعكس حتما على استقرار الوضع الأمني في مايوت المحتلة ،
     من هنا کان من الضروري أن تضغط المؤسسات الفرنسية للرئيس ماکرون لإرسال برقية تهنئة بمناسبة إعادة انتخاب الإمام غزالي رئيسا للجمهورية وإن لم تتضمن بوضوح کلمة  التهنئة المعروفة في المراسلات الدبلوماسية ، مما يزيد الشکوك حول مضمون الرسالة وفحواها ،
    ومهما يکن فإن توجه باريس في الوقت الحالي إلی فتح قنوات اتصال مع موروني يعتبر بلا شك مكسبا دبلوماسية مهما لدى صناع القرار في قصر بيت السلام ،
     غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو محتويات البرقية ؟ والجو المهيمن علی هذه البرقية وهل بإمكان تخفيف العزلة الدبلوماسية التي يعاني بها نظام الإمام الغزالي ،
     جملة من الأسئلة يطرحها نشطاء العلاقات الدولية و علی المهتمين بالوضع السائد حاليا في أرخبيل القمر ،
     إلا أن الموضوع الأكثر أهمية في هذا التوقيت بالذات من أجل الوصول إلى نتائج ملموسة لما تضمنته البرقية إن صح التعبير والتحقق ما إذا كانت باريس تنوي حقا الاعتراف بالأمر الواقع ، هو معرفة ما يدور حول كواليس الدبلوماسية القمرية بغية دراسة العقلية السياسية للخارجية القمرية التي تديرها صيف اليمني وتحركاته الخارجية منذ إسناده مؤخرا حقيبة الخارجية ، إضافة إلی اللغز من وراء زياراته المتكررة إلى موسكو ، صيف اليمني عبر مرارا وتكرار عدم إبرام أي صفقة لا تخدم مصلحة طرفي النزاع في مايوت ومنها حق التنقل والعبور للقمريين علی أراضيهم دون تضييق
     کما لم يخف الوزير تحديه لسياسة الهيمنة الفرنسية علی القرار السياسي معتبرا أن جزر القمر أصبحت في وضع يمكنها أن تقرر بنفسها ما تراها مناسبا لمصالحها وأنها لم تعد محافظة من محافظات باريس ، هذه اللهجات وغيرها من اللهجات غير المعتادة في السياسة الخارجية القمرية توحي بأن هنالك نية لدی الخارجية القمرية لانتهاج سياسة أکثر تصادمية مع باريس معولة علی الدور الروسي والمملکة العربية السعودية ،
     فيما يری کثير من المحللين أن باريس بدأت تستوعب الدرس حول کواليس اللعبة التي تعتزم الخارجية القمرية إعلانها في حال إصرار فرنسا علی عدم إبداء شيء من المرونة تجاه الواقع الجديد وهو اعتراف باريس بنتائج الانتخابات التي أجريت مؤخرا ورفضت نتائجها کل المنظمات الدولية و علی رأسها الاتحاد الأوروبي ،
    فالخارجية القمرية علی ما يبدو قد وضعت الکرة في ملعب باريس فإما أن تختار بين المساعدة للخروج من المأزق التي نحن فيه وإما أن نتخلى عنك ونرکب المرکب الروسي السعودي ، فقد تردد أخيرا أنباء عن استعداد مروني إصدار عملاتها النقدية من موسكو بدلا من باريس ، بجانب التفاهمات الأمنية بعد زيارة رٸيس أرکان القوات المسلحة القمرية مؤخرا لموسكو والتباحث في التعاون الأمني والعسكري ، علاوة علی الجانب الاقتصادي والثقافي هذا کان بعد الأزمة الناشبة بين الطرفين بسبب ملف جزيرة مايوت المحتلة
    من هنا يبدو أن الرسالة وصلت لصناع القرار في باريس أن هنالك بدائل مطروحة علی الطاولة وأن علی باريس أن تفکر مليا قبل المجازفة في العلاقات بين البلدين تلك جزٸ من عقلية السياسة الخارجية ومقتطفات من تحركات صيف اليمني الخارجي ،
     أما الشيء الثاني ، الذي ينبغي أن يضع في الاعتبار ، هو أن يفهم من يديرون الأمر في بيت السلام أن فرنسا مثلها مثل الدول العظمى لا تهتم بفلسفة المراوغة إن تعلق الأمر بمصالحها فهي دولة تديرها مؤسسات کبری تخطط وتفکر وفق مصالها الخاصة فلا أحد رٸيسا کان أو مرؤوسا فوق المصلحة الفرنسية ، بالتالي فإنها ليست بأمثال الدول التي تحکم من وراء حجاب وبحبل متين يشده شخص واحد من السياسة إلی السياحة ، بل مصالحها القومية منصبة علی أعينها تدافع عنها تحت أي ظرف کان وبکل الوسائل الممكنة من هنا فإن باريس لم و لن تتوانى في الدفاع عن مصالحها مهما کلفها من الثمن ، کما ليس لمصلحة باريس أن تدير الظهر لروسيا الاتحادية في القرن الأفريقي في الوقت الذي يری فيه المراقبون أن هنالك محاولة جديدة من حلف الناتو لتقويض تممد مسکو علی ساحة الکرة الأرضية ببسبب برامجها العسکرية المخيفة للغرب وأن مراقبين الدوليين لا يستبعدون إعادة التسعينات من الحرب الباردة بين روسيا والغرب نظرا لتفاقم الوضع بين العملاقين ،
    من هنا فليس من مصلحة فرنسا المجازفة في أمنها بل تسعى إلی تشديد قبضتها علی جزر الأرخبيل بشتی الوساٸل بحجة الأمن في جزيرة مايوت المحتلة وفي الوقت نفسه المراقبة علی تحرکات مسکو في جزر القمر وكذلك الاتفاقيات الأمنية التي أبرمت بين الطرفين مؤخرا ، بالتالي فإن العلاقات المتوترة بين الغرب وروسيا من جهة والمحاولة المستميتة من الخارجية القمرية من جهة أخری للخروج من القبضة الفرنسية بأي ثمن ، ربما لعبتا دورا محوريا لرسالة ماکرون الأخيرة إلی الإمام الغزالي والذي کان الهدف منها تأکيد باريس أنها لن تترك موسکو وبکين لتتصدرا علی المشهد السياسي واستخراج النفط والغاز في جزر الأرخبيل والتی من المتوقع أن تکون جاهزة للتصدير في أقل من سنتين سيما بعد احتمال تعرض الشرکات الفرنسية ومنها توتال العملاقة من ضغوطات لدی الدول ما يسمی بالربيع العربي کالجزاٸر وغيرها
     أما سياسيا ، فإن محللين سياسيين يرون أن ليس باستطاعة باريس وحدها أن تشل النظام من العزلة الدبلوماسية الحالية إذا ما استمر النظام في تحديه للمجتمع الدولي وضرب کل صيحات المعارضة عرض الحاٸط ٠
     والله غالب

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top