بعد عمر طويل رغم أنف كورونا

    أيوجد بيننا إنسان لم يفكر كيف سيكون حاله حين يصل لمرحلة عمرية متقدمة ويصبح عجوزاً ؟؟؟ أنا عن نفسي فكرت كثيراً جداً و لونت عدة تهيئت  ربما هو ضرب من الجنون ، وربما هو فضول في تجربة قوة العقل الباطن والتي سأعرف نتيجتها إن أمدني الله بالعمر.. وكما قال الباحث الأمريكي  د.جوزيف ميرفي : إن تشكيل نمط التفكير العادي والخيالي لمصير الشخص يتحدد حسبما يرى نفسه في عقله الباطن.
    والآن سأسافر بي عبر الزمن وأراني من بعيد داخل نفسي .. ..
    عجوز جداً غير أني مثقفة وحاضرة الذهن عجز الزمن عن إلغاء ذاكرتي ، رائحتي كرائحة الكتب التي لا تفارقني ،وعيناي مازالتا بحال جيد ، معتدلة القوام نوعاً ما ، بهية الطلة ، هادئة، وذكية إذ أدّعي المرض أحياناً ليلتف أبنائي حولي فيمنحونني بعض الدلال ومع ذلك لا أعترف بتقدمي في السن رغم بياض شعري والكم الهائل من التجاعيد التي خطها الزمن على وجهي وظهر كفي .. ..
    وها أنا أراني في إحدى الصباحات _ انتابتني نوبة من القلق والتوتر فأخذت أدور في أنحاء الغرفة حتى تعب العقل و احترقت قدماي من الدوران فجلست على كرسي متحرك بعد تناول بعض الأدوية و الارتشاف من شراب الزنجبيل كي يمنع تجلطات الدم والدماغ وأمراض القلب ..
    شراب أدمنت رائحته وتصاعد أبخرته الملتهبة كأفكاري ، وكعادتي كل صباح يخيل إلي أن حرارتي مرتفعة فأضع ميزان الحرارة في فمي لأطمئن وأستعيد بعض هدوئي ..
    أغمضت عيناي ، ، وإذا بي أرى العالم في لمح البصر ..
    تربعت فوق السحاب واتخذت من النجوم وشاحاً لي ، صافحت القمر كفاي ، وطبعت مئات القبلات على جبين الشمس دون أن تحترق شفتاي ، سافرت عبر البحار والصحاري والسلاسل الجبلية كتلك العجوز التي تمتطي مكنستها السحرية في حكايات الاطفال ، كما أني غصت بقدماي المرتجفتان في رمال شواطئ جزر القمر وجزر هاواي ، تضمخت بروائح البخور والعطور في بلاد الهند والسند ، استعدت حكاوي العشاق والفرسان كلها حين وصلت لقصور الملوك والأباطرة في بلاد الروم وفارس التي أمر بها أنا الان، قرأت روعة الزمن وتاريخ بداية الإنسان وميلاد النار في كهوف أذربيجان ، وتابعت رحلتي فرقصت على أنغام الأندلس وجبل طارق ، وغنيت في كل مكان زاره ماجلان ، صنعت السهام مع الهنود الحمر وعرفت تعاويذهم ، رأيت ألوان السحر الفرعوني وأسراره ، وتعلمت كيف أفك رموز أفريقيا و غرائبها ، . . .
    ثم أخيييراً عدت من رحلتي الخرافية متعبة ومنهكة القوى تماماً، استيقظت ووجدت أن مؤشر ميزان الحرارة لم يحرك ساكناً إذ كيف يحترق بين شفتين قطبيتين عمراً وبرودة؟؟ !! وصار شرابي أبرد من كأسه كأنه جسد بلا روح لكن لا بأس  ..
    المهم أني كنت سعيدة للغاااااية وصرت أردد : لا أجمل من أن يطيع أحدنا خياله فينسى الموت القادم نحوه .

    بقلم/ الأديبة والشاعرة نهى إبراهيم سالم 

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top