سيناريوهات آخِر المشهد السياسي في أرخبيل القَمر

     مع اقتراب الموعد النهائي الذي حددته أطياف المعارضة في جزر القمر لنظام غزالي لتسليم السلطة طواعيا ، يبدو أن الضبابية هي سيد الموقف حتى الآن حيث لا تلوح في الأفق أي بادرة من النظام ولا من المعارضة لتقريب وجهات النظر وتذليل العقبات نحو التوصُّل إلى نقطة تسمح للطرفين التقارب ولو شكليًا ، بل ظل كل طرف يتمسك بمواقفه و يعد العدة انتظارا لساعة الصفر ،
     بل تخطى أجهزة النظام والأذرع الإعلامية التابعة  له في التحدي والمراوغة معلنة أنه لا مجال للتفاوض والتراجع حول ما يتعلق بالمدة الزمنية  لبقاء النظام فوق مقاليد السلطة في بيت السلام ، حيث صرح وزير داخلية النظام محمد داود (كيكي) في مقتطفات عبر وسائل الإعلام أنه لن يكون هنالك مجال للتفاوض ولا للتنازل حول مسألة بقاء الإمام غزالي فوق مقاليد السلطة لغاية عام ٢٠٢٤ على أقل تقدير ، بينما حددت المعارضة هي الأخرى تاريخ ٢٦ من مايو الحالي كموعد نهائي لرحيل النظام  لتجنب وقوع البلاد في نفق مظلم
     تلك الأجواء الخطيرة تشكل بالفعل مصدرَ قلقٍ لكثيرِ من متابعي الأوضاع السياسية  والأمنية لأرخبيل القمر، سواء من الداخل أو الخارج ، لما لها من انعكاسات سلبية لا تصب في مصلحة الوطن أو المواطن ،
     فالوضع الداخلي الذي يخيم إليه المشهد السياسي  أكثر سخونة  مما يتخيله النظام في بيت السلام  وأصعب مما يصوره رواد و نشطاء المواقع الاجتماعية ، حيث قاب قوسين أو أدنى من انزلاق البلاد في بوابة التوتر الفعلي في حال لم يتنح النظام سلميًا عن مقاليد الحكم ، حيث فشلت المبادرة الأخيرة من أجل الحوار والتي تزعمها الحزب المعروف باسم ulezi . إذ وصفتها المعارضة بأنها جزء من مؤامرة خبيثة من أجل إنقاذ النظام مما هو عليه و شرعنة الممارسات الخطيرة التي ينفذها بغية  الاستمرار في انتهاك الدستور والقوانين ،
    وفي المقابل كثف النظام في الآونة الأخيرة من الضربات الاستباقية لزج المزيد من المعارضين في السجون ، واستباح القتل الوحشي في صفوف القوات الخاصة القمرية ممن لم يتأكد لهم الموالاة التامة للنظام بينما فر العديد من الدرك الوطني مع عتادهم العسكري  وفرقة من قوات الحماية الخاصة في جزيرة أنجوان التي كانت في السابق تحت رحمة الانفصاليين
     تلك المشاهد المخيفة والتي تحدث ولأول مرة في تاريخ الأرخبيل  وضعت بالفعل البلاد في سيناريوهات لا يمكن تخيلها بسهولة حيث كل الاحتمالات واردة وفقا لمجموعة من الأدوات التي تغذي الموقف السياسي والأمني على أرض الواقع
    فمن يقرأ  بإمعان التحركات السياسية والأمنية  للنظام  يجزم أن هنالك مؤامرات مبيّتة منه لتحويل البلاد إلى اقتتالٍ دامٍ واشعال الفوضى الهدامة  والتحريض على الثأر بسبب جرائم النظام المتكررة ، جرائم يرى خبراء حقوق الإنسان أنها تخطت كل المعايير الأخلاقية والإنسانية ، وحتى المؤسسات الدينية والشرعية في البلاد وكذلك منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نددت بتلك الممارسات ،
     فيما يبدو أنها تدْخل ضمن سلسلة من أجندات خفية لجرائم منظمة من أجل زرع الخوف في قلوب المواطنين لإجهاض أي حشود محتملة تجاه الميادين العامة ، غير أن تأملات النظام وسلوكياته هذه ، تُبرزان مدى الإخفاقات واليأس التي مازالت تهيمن على الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلاد
    كما أن إصرار النظام في مواقفه مع ضرب كل الفرص المؤدية إلى التقارب عرض الحائط ، مدعيا أن الأمور تحت السيطرة،  لدليلٌ آخر على قرب نهاية السيناريو بشكل تصادمي ومأساوي ، حيث تعتبر المعارضة أن مثل هذه السلوكيات لا تساعد على تهيئة الأجواء ، واصفا تحركات النظام بأنها مجرد حركات بهلوانية  وأنه مائل للسقوط لا محالة ، معتبرةً أن النظام لم يفهم بعدُ مضمونَ الرسالة الموجهة إليه من الداخل والخارج ، ولم يأخذ العبر من أنظمة  كانت أكثر شراسة وأضعفَ جندا و رغم ذلك أزيلت من الخريطة السياسية ،
    لقد تبنى نظام غزالي بالفعل سياسة اللاءات كوسيلة استراتيجية لإرهاب كل فُرص ممكنة  لتقارب الأطراف فلا إطلاق سراح السجناء السياسيين ، ولا التوقف عن القتل المُمنهج  والاعتقالات التعسفية ، ولا لمحاكمة الموقوفين بالتهم الزائفة ،
     وبالتالي فوفقا لمعطيات ميدانية للوضع ،  فإن ناشطين سياسيين يرون أن في حالة لم تتمكن أصدقاء النظام في الخارج من مدّ يد العون والمساعدة لاستقبال إمام غزالي وحاشيته قبل الموعد المحدد سلفًا من قبل المعارضة ، فإن أكثر الاحتمالات تشير بحدوث نزوح كبير بالقوارب المطاطية وهذه المرة تكون لنصيب النظام وحاشيته تجاه سواحل جزيرة مايوت المحتلة  حيث من المؤكد أن السفارة الفرنسية في البلاد لن تستطيع توفيرَ ملاذ آمن لثمانين شخصا ضمن قائمة المستعدين للرحيل وللأيام بقية .
    والله غالب

    يوسف علي امباي

    أكاديمي وباحث في المعهد الأوروبي للدراسات الإنسانية-باريس

     

    كل الآراء الواردة في المقال يتحمل الكاتب فقط كامل مسؤوليتها 

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top