شبكة الفساد في جزر القمر

    الفساد مشكلة على مستوى العالم، سواء كان هذا الفساد سياسيا أو ماليا أو غيره،  صغيرا كان أو كبيرا، ومن الشواهد على ذلك، المؤتمرات والفعاليات التي جل محورها القضاء على الفساد.
    والفساد يؤدي إلى انهيار منظومة التنمية في أي بلد باعتباره يمثل القوى السلبية للاقتصاد والتنمية، وخاصة في الدول الفقيرة.
    وهناك الكثير من العلماء النفسيين و المهتمين الذين أسهموا بكتاباتهم و أفكارهم حول مسألة الفساد و نفسية المفسدين و اختلفت وجهات النظر و الاتجاهات في تقديم تفسيرات تكون أقرب إلى الواقع و الصحة، و بعض هذه الدراسات و الأبحاث أعطت الجانب النفسي و الاجتماعي أهمية كبيرة محاوٍلةً فهم العوامل التي تدفع الشخص ليتصرف بسلوك مخادع غير نزيه و غير أخلاقي ، و ارتكاب تصرفات فاسدة ، وجد العلماء أن هناك عوامل تسهل تورط الأفراد في الوقوع بأعمال مخادعة و فاسدة أهمها – التهور و الميل إلى التلاعب بالأنظمة و المفاهيم و التصورات – التنشئة الاجتماعية و ثقافة المجتمع و تأثيرها في الجانب السلبي على أفراد الجماعة.  وظهرت مؤخَّرا قائمة تُطلعنا على أن الساسة هم أغنياء البلد، و لذلك حاولنا الاستخلاص إلى أن نظام  فساد كامل الأركان يتحكم في مصير المواطن من البداية إلى النهاية.
    محاربة الفساد والفاسدين لا تقل أهمية وخطورة عن محاربة الفقر والبطالة بل إنهما وجهان لعملة واحدة .
     ونقصد بالفساد هنا الأوجه الاجتماعية والسياسية.. من الفساد الذي يوجد بدرجة أو بأخرى في كل المجتمعات، حيث يوظف مسؤولون مواقعهم ومراكزهم الرسمية لجني مكاسب وامتيازات من المال العام، أو من المواطنين بالابتزاز أو مقابل خدمات غير قانونية، أو تزوير الانتخابات… الخ، فهذه الأشكال من الفساد متجذرة بالمجتمع القمري وهي لا تقل خطورة عن الفساد السياسي و المالي . –
    السلوك المخادع .  
    من يقرأ المجتمع القمري العظيم جيدا، سوف يكون أمام حقيقة مفادها أن العقلية و الثقافة الجماعية تدفع الأفراد نحو ارتكاب أعمال مخادعة وفاسدة دون الشعور بشيء من الألم و المسؤولية ، فهو بذلك في توافق مع الوضع السائد ، ورغم وجود التشريعات و القوانين التي تمنع و تجرم مثل هذه الأعمال المخادعة إلا أنها تفتقر إلى قوتها نتيجة الصراع بين ثقافة المجتمع و القانون و غالبا ما تهزم الثقافة القانون شر انهزام.
    فعندما يكتب المثقف أو يبدع في أي مجال من مجالات تخصصه موظفا تجربته الشخصية، فهذا لا يعني أن الدافع للكتابة شخصي فقط، و إلا لاعتبرنا مثلا أن كل من ينتقد الحكومة إنما يكتب كرَدة فعل على فشله أن يكون مسؤولا أو لأنه يريد منصبا في الحكومة، واتهام مَن يكتب منتقدا الاعتقالات بأن دوافعه شخصية لأنه كتب بعد تعرضه للاعتقال، واعتبار كل مَن ينتقد النظام مدفوعا بدافع شخصي لأنه يرفض دفع فاتورة ضريبة غير شرعية.. الخ..
    إن الانتقال نحو مكافحة الفساد في مجتمعنا القمري العظيم يتطلب تشكيل قناعة وجود إرادة قوية و حقيقية لدى الفواعل و النبلاء في المجتمع في تحقيق نقلة نوعية ، لكن يبدو أن المهمة محفوفة بالتحديات في ظل وجود ثقافة اجتماعية تحرض لأعمال مخادعة و في ظل ارتباط المصالح الشخصية بالأنظمة و المؤسسات و انتشار الفساد في سائر الطبقات و النشاطات الاجتماعية و السياسة ، باعتقادي أن التغيير يبدأ من اللحظة التي يشعر الأفراد في مجتمعنا القمري باليأس و الحاجة إلى التغير ثم يدرك إنه هو نقطة البداية في عملية التغيير و أنه المسؤول الأساسي و النهائي.
    الفساد المالي والسياسي:  
    الفساد المالي والسياسي لمسؤولين في مراكز حساسة في النظام السياسي في جزر القمر حيث ما زال الشعب خاضعا للاحتلال الفكري والسياسي…إلخ.
    إنه فساد أشخاص ونخب متواطئة مع أشخاص في الداخل والخارج بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مما يجعل الفساد والسكوت عنه، من القادرين على التصدي له، خيانة وطنية.
    الفاسدون يستغلون حالة الفقر والبطالة، وترهل النظام السياسي والفوضى السياسية، وحاجة كثير من الناس للاستفادة من التسهيلات التي تقدم من قبل هؤلاء، لإذلال الشعب وامتهان كرامته وتطويعه لما يريدهم، مستقوين بوقاحتهم وبحماية قانونية، وبكذبهم على الناس البسطاء من خلال الزعم أنهم يقدمون خدمات للناس لا يقدمها غيرهم.
    الفاسدون مثلهم مثل المحتل المستعمر يحاولون تسطيح وشخصنة الأمور حتى يفرغوها من مضمونها الوطني، لأنهم لا يؤمنون بشيء يسمى (وطن) وينظرون بازدراء للشعب ولقواه الوطنية.
    قد تنطلي حِيل وأكاذيب الفاسدين على البعض من المواطنين، كما قد يسكت كثير من المواطنين البسطاء، لقلة حيلتهم، عن فساد الفاسدين، ولكن الغريب أن من يقولون إنهم قادة المشروع الوطني وحُماة الوطن ولا يتركون مناسبة إلا ويزعمون أنهم ضد الفساد والمفسدين، هؤلاء يتعاملون بحذر وتردد مع الفساد والفاسدين حتى داخل مؤسسات السلطة التي تُحسب عليهم، الأمر الذي يطرح تساؤلات إن كان الأمر عجزا أم تواطؤا أو مشاركة في الفساد.
    لا يكفي أن ينفي النظام وبقية القوى السياسية عن أنفسهم تهمة الفساد، بل المطلوب منهم أن يحاربوا الفساد، فالساكت عن الفساد فاسد أيضا (الساكت عن الحق شيطان أخرس)، و إن لم يستطيعوا التصدي للفاسدين لاعتبارات سياسية ومصالح ضيقة وعلاقات مُعقدة ومشبوهة، فأقل الواجب عليهم مناصرة مَن يواجه الفساد والفاسدين، ليس من منطلق الدفاع عن شخص بل لحماية حرية الرأي والتعبير، وحتى لا يُشجع سكوتهم الفاسدين على مواصلة فسادهم وتفسير سكوتهم بأنه شرعنة للفساد والفاسدين.
    فعلى هؤلاء أن يواجهوا الفاسدين ويتحدثوا علنا عما عرفوا وعما تعرضوا له من ابتزازات، وخصوصا أن المواطنين لا يثقون بأن الحكومة تحارب الفساد.
    الحديث عن الفساد من خلال قضية التصاريح عن بيع الجنسية القمرية بثمن زهيد دراهم معدودة تعد من أكبر شبكة فساد مر على جزر القمر.
    هذه رسالة نوجهها إلى المحكمة بعد غياب (هيئة مكافحة الفساد)، فحتى لا تتحول مؤسستها (إلى شاهد زور) على ما يجري من فساد، نتمنى على هيئة مكافحة الفساد ألا تجلس وتنتظر من المواطنين أن يأتوا لها ليقدموا شكواهم من الفساد والفاسدين، إن لم يأمن لهم الحماية من سطوة ونفوذ الفاسدين.
    الفساد الاجتماعي:  
    الفساد في مجتمعنا القمري العظيم يمثل أحد الركائز الأساسية للحكم كونه أهم وسيلة و أداة لمكافأة الولاءات ، و يدخل الفساد في ديناميات توزيع المناصب الوظيفية العامة، مما يؤدي إلى خسارة عقول قد تكون منتجة في مستويات مختلفة على نطاق الدولة و هي من المؤشرات و المتغيرات التي تكون سببا في تفكير شريحة من الشباب القمري للبحث عن أفق و تحقيق الآمال و التطلعات في مكان آخر محفوفة بالمخاطر ،
    وهي جريمة غير أخلاقية ترتكب بحق هذا الشعب وهي خيبة أمل الشباب والفرار من الحياة المريرة في جزر القمر والمخاطرة بكل شيء من أجل الهروب إلى الخارج ليصنع أحلامه ومستقبله بعدما استحال عليه العيش في هذا البلد الجميل كما نسميه “جنة الله في الأرض” و الذي تحول بفعل نبلاءها إلى “جهنم الله في الأرض” بسبب عدم التكافؤ في فرص العمل وزيادة البطالة للشباب المتخرج من الجامعة وانتشار الفساد في أركان الدولة.
    الشباب المتخرج من الجامعة جزء من المجتمع ويعاني كما يعاني أبناء المجتمع، والوظيفة الاجتماعية النقدية والأخلاقية للشباب تفرض عليه أن ينوب عن أبناء شعبه الذين يشاطرونه نفس المعاناة ومروا بنفس التجربة ولكنهم لا يستطيعون إيصال صوتهم ويكون مصيرهم إلى حافة الهاوية.
    الحلول المطروحة:
       إن الانتقال نحو مكافحة الفساد في مجتمعنا القمري العظيم يتطلب
    • تشكيل قناعة لدى الفواعل و النبلاء في المجتمع في تحقيق مكافحة الفساد بمنهجية علمية و نوعية
      ٢- قراءة نقدية لأثر الثقافة على تشكيل قيم مشوهة تورط الأفراد في وقوع بأعمال فاسدة
     ٣- فك الارتباط بين المصالح الشخصية بالأنظمة و المؤسسات من تشكيل أجهزة متخصصة مراقبة تمتلك من النفوذ في المحاسبة و العقاب ،
     ٤- استقلالية القضاء وعدم تسيسها
     ٥-الاستغلال الأمثل للطاقات الشابة المتعلمة
     ٦- تحسين جودة التعليم
     ٧- اعتماد معاير واضحة في التوظيف تعتمد على الكفاءة و الخبرة
     ٨- مسؤولية نبلاء الدولة والمجتمع في نشر الوعي بين جميع الفئات
     ختاما: ( الفرد هو الحل )
     و هناك شيء من اليقين أن الحراك الذي حصل في بلدنا الأفريقي الجميل المطالبة بالتغيير مطلع عام ٢٠٢٠ هو استجابة لشعار -الفرد هو الحل -و قد أحدث تغيرا جذرية و عميقة في الوعي الجمعي

     

    كتبه محمود ناصيف مهوما

    محلل سياسي قمري 

     و سلطان يوسف رسول

     باحث دكتوراه في التاريخ القمري المعاصر

    يتحمل الكاتب مسؤولية كل الآراء الواردة في المقال 

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top