إن فيروس كورونا وبقدر تهديده للعالم من كافة الأصعدة السياسية و الصحية و الاقتصادية الاجتماعية، إلا أن هناك جوانب إيجابية يمكن استغلالها جراء هذه الجائحة .
وبما أننا لسنا متخصصين في العلوم الاقتصادية أو السياسية فلن نتطرق إلى هذه الجوانب فعلمائها هم خيرة من يتكلمون فيها، ولعلك بدأت تتسائل عن أي جانب سأحدثك؟
عزيزي القارئ سأقف معك في عجالة سريعة على الجانب الاجتماعي ولكي أكون أكثر دقة سنقف مع الأسرة وكيف نستغل هذه الظروف لصالحنا .
مما لا يخفى على أحد أن العلاقات الأسرية بين أفراد الأسرة في مجتمعنا المعاصر على مستوى العالم – خاصة الإسلامي منها وعلى وجه الخصوص القمري تعاني من فجوة كبيرة لأسباب عديدة وقد نختلف كلٌّ حسب تخصصه وجميعها أسباب حقيقية لكن مع الاختلاف، فإننا نتفق على وجود المشكلة ومن أهم وأبرز هذه الأسباب هو انشغال الوالدين خاصة الأب- الذي يعد صاحب السلطة العليا في الأسرة – بالسعي نحو توفير متطلبات أفراد الأسرة وهذه ليست المشكلة في حد ذاته فهذا أحد الأدوار الذي كلفه به الشرع
وهنا يطرح السؤال التالي نفسه أين المشكلة؟ تكمن المشكلة في تركيز الأب على دوره كمعول للأسرة وتغافل أو إهمال دوره كمربي ولا أجد ما أثبت به صحة كلامي من واقعنا المجتمعي وما نعانيه من مشكلات اجتماعية متمثلة في الانحلال الأخلاقي ، انفلات الأبناء من السلطة الأبوية …..
وكما هو متعارف في العلوم الاجتماعية ” إن مشكلات المجتمع هي في الحقيقة صورة لما عليه الأسرة” وإن شئت فاسأل ولا حرج كم من أب لا يعرف عن أبنائه وبناته إلا أسمائهم؟ ومع من يصاحبون ؟ وأين يبيتون؟ ولا آخر مرة جلس مع عالته؟ كم كم …………
ولا أجد الانشغال وراء كسب الرزق حجة فالنبي العظيم ومع عظمة المسئولية التي كانت على عاتقه إلا أنه لم يهمل أسرته وفيه يقول ( ص) “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” . ومما سبق أجد، كمتخصص في علم الاجتماع، أن الإجراءات الوقائية التي فرضتها جائحة كورونا علينا من حجر منزلي …. وتقليل التجمعات… فرصة عظيمة لإعادة بناء الأسرة وتحسين العلاقات الأسرية بما ينعكس إيجابا على سلامة المجتمع القمري وبغض النظر عن الجدلية حول حقيقته بين طرف يراه عقوبة من الخالق وآخر يراه مؤامرة على البشرية، وبغض النظر أيضا عن الخلاف بين الطرفين بيد أننا نتفق جميعاً أن فيروس كورونا فرض علينا عملية المراجعة والمحاسبة، فمن يراه عقوبة إلاهية يطالب بضرورة العودة إلى الباري والتوبة ومن يراه مؤامرة يوجه الدول بضرورة مراجعة حساباتها وتغيير أولوياتها وسياساتها نحو التنمية الشاملة المستدامة تحسبا.
وإذا كنا أسلمنا بقول الزعماء بأن العالم قبل كورونا غير العالم بعده، وإن كان تركيزهم منصب على الجوانب الاقتصادية والسياسية فأنا أسلم بأن الجوانب الاجتماعية ستكون أسوأ بكثير أيضاً مالم نستغل هذه الفترة لتحسين المجتمع بداً بالأسرة والتي تُعد النواة الأولى للمجتمع.
وأخيراً فرسالتي إلى كل أب و أم ، زوج وزوجة، أخ وأخت وإلى كل الأبناء والبنات دعنا نستغل هذه الفترة لنحسن من علاقاتنا ونعيد المحبة والمودة التي فقدناها سابقاً جراء انشغالنا بمشاغل الحياة.
وإذ أسأل الله رب العرش الكريم أن يحفظ وطننا الغالي وسائر بلاد المسلمين من شر البلايا .
بكري موسى جاي – باحث في الماجيستير تخصص علم الاجتماع – جامعة السلام – السودان