الشعر العربي الأصيل_ أين وإلى أين؟

    من المؤلم جداً رؤية ما آل إليه حال الشعر العربي ولغتنا ، والناظر للتاريخ سيدرك كيف كان وأين صار … نعم لكل زمان لونه وبصمته لا ننكر ذلك، لكن الآن كأنه صار بلا هوية بلا ظل بلا نكهة عدا القلة القليلة من الشعراء المجيدين يعاندون كل المتغيرات الدخيلة التي تشينه ويجتهدون بإبداعهم في الحفاظ على جماله وأصالته .
    يقول محمد بن سلام الجحمي : كان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم ومنتهى حكمهم ، به يأخذون وإليه يصيرون ./
    وقال أبي عمرو بن العلاء : ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله ، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير ./
    ومن هنا ندرك أن الشعر ليس مجرد كلمات تلتصق ببعضها .. فعلى الشاعر أن يكون سريع الخاطر متذوقاً لجمال العربية وحسن بيانها ، مثقفاً واسع المعرفة، بارع في فهم اللغة وعذوبة ألفاظها، وجزالة معانيها ومبانيها، وحلاوة مقاطعها، وإيفاء كل معنى حظه من العبارات وتضميخه بما يشاكله من عاطر الألفاظ فيجتنب القبيح ويضع الأشياء في ميزانها بمنهج عقلي راجح ذكي .
    ويقول في ذلك الشاعر والعالم المحقق أحد شيوخ الأدب _ابن طباطبا : ينبغي للشاعر أن يتأمل شعره وتنسيق أبياته ويقف عند حسن تجاورها أو قبحه فيلائم بينها لتنظيم معانيها ويتصل كلامه فيها ولا يجعل بين ما قد ابتدأ وصفه أو بين تمامه فصلاً من حشو ليس من جنس ما هو فيه وليحترز من ذلك في كل بيت فلا يباعد كلمة عن أختها ولا يحجز بينها وبين تمامها بحشو يشينها وليتفقد كل مصراع هل يشاكل ما قبله ./ ويقول أيضا على نحو أكثر روعة و إبانة : الشعر رسائل معقودة والرسائل شعر محلول ./
    فأين الشعر والشعراء الآن من كل هذا ؟؟ . لا يلتمس قيمة الشعر ويدرك معناه إلا من مر بحدائق اللغة العربية واستنشق عبير أزهارها و استظل بوافر ظلالها واستمتع بتغريد أطيارها ورشف من جداولها وأنهارها خاصةً من القرءان الكريم أو الأحاديث النبوية الشريفة أو الأدب الأصيل عموماً . فكلها مواطن بيان وجمال .. لذا لانرد على من لا يرى قيمة الشعر بل نلتمس له عذر أنه لم يمر ولم يدرك ..
    وأما عن جوهر دور الشعر في حياتنا فهو يرقق القلب ويطيب النفس ويجمل الروح والعقل بالحكمة والتعمق ويمدنا بقوة الاعتزاز والفخر بلغة نزلت بلسان عربي مبين..  وإدراك معناه ليس قاصر بالطبع على محبيه بوجه الخصوص بل على مدركي العربية ككل … أما نشر ثقافة الشعر فأعتقد أنها يجب أن تبدأ من الأسرة فإن لم يكن فمن المدارس والجامعات فإن لم يكن فمن مراكز الثقافة كافة و أجهزة الإعلام فإن لم يكن فعليه وعلينا السلام.

    نهى  إبراهيم  سالم

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top