هل حقا أن “المعارضة المهاجرة إلى فرنسا أخطر من النظام في جزر القمر”؟

    بقلم الكاتب/ عمر الأمين – ناشط في المجتمع المدني القمري في فرنسا
     هذا ما يجزم به سلطان يوسف رسول في مقالة نشرها على منصة “من جزر القمر”. فيا ترى، هل هو محق فيما يقول؟
    قبل أن أدخل في تفاصيل ما قاله سلطان، أود أن أعبر عن خيبة الأمل التي أُصبت بها بعد قرائتي لما كتبه الأخ الفاضل. فعندما تقع عينك على مقالة تحمل عنوانا مثل هذا، ويوصَف كاتبها بأنه “باحث في التاريخ القمري المعاصر” فإنك تنتظر منه تأييد آرائه عن طريق تحليل أحداث التاريخ المعاصر لهذا الوطن الذي ما زال تاريخه مجهولا؛ وهذا، ويا للأسف، ما لم يكن.
    بدأ الأخ الفاضل كلامه بقوله: “عندما تناضل ضد الاستبداد وأنت في فرنسا…و…و…وأنت تعيش في حضن العدو الأكبر والمستعمر الغاشم لهذا الوطن، فأعتذر بالقول بأنك تكذب”.
    ظننت في الوهلة الأولى بأن الأخ يتحدث فعلا عن المعارضة القمرية المتمركزة في فرنسا، ولكن عندما قرأت قوله أن المعارضة والنظام “وجهان لعملة واحدة”، تيقنت بأنه لا يتحدث عن المعارضة القمرية وإنما عن بعض السياسيين الذين هربوا من السياسة الاستبدادية القهرية التي انتهجها غزالي وأصحابه منذ عودته إلى الحكم عام ٢٠١٦.
    وهنا أتسائل عما إذا ما كان الأخ الكريم يدرك المنعطف التاريخي الفريد الذي يمر به وطننا الحبيب، حيث للمرة الأولى تتكون فيها المعارضة القمرية في المهجر من مواطنين لا علاقة لهم بالسياسة، بل ولا يطمحون إلى مناصب سياسية.
    وأقول “المعارضة القمرية في المهجر” وليس في فرنسا.
    – المعارضة في المهجر:
    فالحقيقة هي، أن من يتابع الأحداث التي تلت الانتخابات الرئاسية المبكرة لعام ٢٠١٩، يجد أن المعارضة ليست متمركزة في فرنسا وحدها وإنما يوجد معارضون في أي بقعة يوجد فيها القمريون على هذه الأرض، من السنغال إلى أرض اليابان مرورا بجزيرة لارينيون. كان من الأجدر للأخ الكاتب أن يفرق بين السياسيين الهاربين وبين المعارضة الحقيقية التي يتصدرها المجتمع المدني، والذي يحاول الهاربون الانخراط فيه دون جدوى.

    ليست هذه المفارقة الوحيدةَ التي وقع بها الأخ الباحث، وإنما يواصل كلامه فيقول أن دعوة المعارضة للدول والمنظمات الدولية إلى التدخل لإسقاط النظام فإنهم بذلك يعملون على “خراب الوطن وزعزعة استقراره لصالح الاستعمار”. ولست أدري إلى من يجب أن يشكوَ هؤلاء من معاناة الشعب القمري إن لم تكن نفس الدول والمنظمات التي تسمح للنظام الحالي بسياسة الشعب القمري بقبضة حديدية لا رأفة فيها لكبير ولا رحمة لصغير.
    أيجهل الأخ أم يتجاهل أن جمهورية القمر المتحدة قامت على يد الرئيس الحالي بمباركة من هذه الدول والمنظمات؟ ألم تشارك كل من المنظمة الدولية للفرانكوفونيةِ، ومنظمة الوحدة الأفريقية، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة … ألم تشارك هذه المنظمات في صياغة “اتفاقية فومبوني عام ٢٠٠١” وتتعهد بحمايتها؟ فأين العجب عند مناشدة هذه المنظمات والدول الأعضاء فيها لدعوة هذا النظام الفاجر إلى احترام هذه الاتفاقية أو على الأقل احترام حقوق الإنسان ومبدأ التعددية السياسية حفاظا على الوحدة الوطنية؟!
    ويمضي الأخ الفاضل إلى مناصحة “الرموز الوطنية السياسية المهاجرة بأن تتحدث بلغة صادقة مع الشعب” مذكرا قول الباري تبارك وتعالى “ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ”. وهنا أتسائل، عن أي ركون يتحدث الكاتب؟ وهل يقال لدولة تقبع في التبعية السياسية المفروضة قهرا أن رموزها تركن وتميل إلى من تسلط عليها فعلا، أم أن هؤلاء لا حول لهم ولا قوة؟ أيتجاهل الأخ الكريم أن العملة القمرية تابعة للعملة الفرنسية وهي تطبع في فرنسا، أم يتجاهل أيضاً أن مجلس إدارة البنك المركزي مكون من ثمانية أشخاص أربعة منهم قمريون والأربعة الآخرين فرنسيون حسب ما تنص عليه الاتفاقية الموقعة بين البلدين في ٢٣ نوفمبر عام ١٩٧٩.
    فإن كان الكرة إذن في ملعب الفرنسيين فأين يريد الأخ أن تلعب المعارضة القمرية؟
    أليس الأحرى أن يطالب الأخ الكريم من الحكومة ومن بيده الأمر عدم الركون ونبذ مثل هذه الاتفاقيات التي أُلزِمَت بها جزر القمر عشية الاستقلال ووقع عليها ضحى مجبرا؟!
    ألم تقم الحكومة ببيع ملف البترول لشركات فرنسية مقابل دعم النظام على الصمود أمام المعارضة ومقابل دعم مالي أيضا ينفقها في شراء الذمم؟ أم أن الأخ نسي مهزلة مؤتمر شركاء تنمية جزر القمر التي أقامته حكومة باريس لدعم حكومة غزالي؟ فلمَ يُتَّهَمُ الضعيف، ولا يُذْكَرُ القوي بأي سوء؟
    – اتهام المعارضة ببيع قضايا الوطن:
    ومما أصابني بالذهول في مقالة الأخ، هو إلقائه اللوم على المعارضة بخصوص مئات القمريين الذين يلقون حتفهم في المحيطات سعيا منهم للوصول إلى أوروبا. كيف يجرؤ الأخ على اتهام المعارضة بالمشاركة في قتل الأبرياء الذين يركبون أمواج الموت بحثا عن حياة أقل معاناة في أوروبا!
    يا ترى لماذا لم يتهم الأخ الحكومة وهي من على عاتقها مهمة مراقبة الحدود البرية والبحرية؟ أليست هي المسؤولة الأولى عن خلق فرص عمل لهؤلاء الذين جرهم الأمل إلى المخاطرة بحياتهم؟ ألم يركب بعض هؤلاء المعارضين (أقصد السياسيين الهاربين) نفس الأمواج فارا بأنفسهم خوفا من جبروت هذا النظام … فلم يُتَّهَمُون بينما تُبَرَّأ الحكومة؟
    وبالمناسبة، لماذا يختار المواطنون الهروب بأنفسهم إلى أوروبا لا سيما فرنسا التي يطالبنا الأخ بعدم الركون إليها؟ هل لهؤلاء المواطنين والمعارضة القمرية سبيل للركون إلى إخواننا المسلمين دون الفرنسيين؟
    كيف والطالب القمري ليس له حق في أي بلد عربي إسلامي إلا ما تفضل به صدقة أصحاب هذه البلدان. ألم يقل العرب “ما كل غيمة دليل مطر؟” فكيف إن لم يكن هناك غيم أصلا؟
    إن هؤلاء المواطنين أيها الأخ الكاتب أشبه ما يكونون (في ظروفهم) كمن هاجر من مكة وقصد الحبشة دون الطائف. الفرق هو أن الحبشة كان فيها ملك لا يُظلَمُ عنده أحد، وأوروبا يخضع لقوانين تحترم الإنسان وإن كان فيه ظلم، لكن الظلم فيه أخف.
    متى وضعت رجلك على
    أرضه أصبح لديك حقوق ملزمة رغم أنف الكارهين. فليس من العجب إذَن أن يقصده الآباء والأمهات والأبناء على حد سواء، مادام يُوَفَّرُ للأبناء تعليم راقي يضمن لهم حياة كريمة، ويَمنَحُ الأمهات والآباء فرص عمل كريم تسمح لهم بدفع نفقات تعليم أبنائهم في الوطن وفي الأوطان التي كنا سنركن إليها لو سَمَحَتْ، أو بالأحرى لو لم تركن هي رغم قوتها- مقارنة بنا- إلى حيث نُتَّهَمُ بالركون. ولعل الأخ الفاضل متواجد في إحدى هذه الأوطان، يأتيه رزقه من البلد “الذي ظلم أهلُهَا أنفسهم”.
    فقول أخي الكاتب بأن “المعارضة تبيع قضايا الوطن”، هو قول باطل لا محالة. بل إن المعارضة تلعب بنفس الشروط التي أُلزِمَهَا هي والحكومة معا من قبل القوى الكبرى، مع الفرق الشاسع الذي بينهما. فالمعارضة القمرية المتمركزة في المهجر اليوم مكونة من المجتمع المدني الذي لا ناقة له ولا جمل في الساحة السياسية القمرية، بينما الحكومة ورجالها يختارون من غير اضطرار العمل مع من يسميه الأخ عدوا للوطن. فهي، أي الحكومة، بهذا تكون أخطر بكثير من المعارضة، فالمعارضة تدعو مضطرة من بيده الأمر إلى احترام الإنسان وتحسين حياة المواطن، بينما الحكومة تتعاون “اختيارا” لضمان بقائها في السلطة.
    – المعارضة الحقيقية:
    والآن وبعد هذا التعليق العاجل على مقالة الأخ الفاضل، اسمح لي أخي القارئ أن أبين لك ما هي المعارضة الحقيقة التي تقف في وجه غزالي وحكومته الظالمة المستبدة.

     

    ولبيان ذلك يجب العودة إلى ما قبل انتخابات 2019 التي يتخذها الناس نقطة انطلاق المعارضة، بينما الحقيقة غير ذلك. حيث عَبَّرَ جمع غفير من قمريي المهجر معارضتهم بشدة عودة الرئيس غزالي إلى الحكم منذ إعلان الأخير عن رغبته بالمشاركة في انتخابات عام 2016. وذلك لكونه سبق وساس البلاد بعد انقلابه على تاج الدين بن مسعود عام 1999، وأذاق العباد ويلات الفقر المدقع من تاريخه إلى تنحيته من السلطة لصالح عبد الله سامبي عام 2006. (وهذا الأخير يقبع في السجن منذ عام 2018 بأمر من غزالي وبدون محاكمة.)
    أخذت هذه المعارضة تندد بقرارات غزالي بعد وصوله إلى بيت السلام لا سيما قرار إلغاء هيئة مكافحة الفساد في 18 سبتمبر 2016. ازدادت هذه المعارضة قوة بعد قرار غزالي بتعليق عمل المحكمة الدستورية في 12 أبريل 2018، ثم زاد الأمر بلة بعد ذلك بأسبوعين حين اقترح تعديل الدستور، وذلك في 28 أبريل 2018. لم تنجح المعارضة في مساعيها لمنع جلوس نظام العقيد الإنقلابي على اتفاقية فومبوني، لأن بعض الهاربين السياسيين كانوا أعوانا للنظام من جهة، وكذلك بعض الدول والمنظمات الدولية من جهة أخرى.
    ولهذا استطاع غزالي وأعوانه تمرير الدستور الجديد المفصل على مقاسه عبر الاستفتاء الدستوري المزور، والذي أُجري في 30 يوليو 2018 مما سمح له بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة أكبر زورا وبهتانا من الاستفتاء وذلك في 24 مارس 2019. حيث أعلن العقيد الانقلابي فوزه في الجولة الأولى بعد تزوير واسع النطاق في المناطق التي جرت فيها الانتخاب فعلا، فبعض المناطق لم تجر فيها انتخاب لقيام المعارضة بتحطيم صناديق الاقتراع بسبب التزوير الذي حصل.
    هذه الظروف وغيرها دفعت المعارضة إلى تنظيم صفها في المهجر، فأقامت المظاهرات في كل من السنغال ومدغشقر والمغرب وفرنسا وجزيرة لارينيون. أما في فرنسا، فقد قامت المظاهرات في أكبر مدنها بدءاً من باريس ومرسيليا وليون إلى آخرها، ثم أصبحت أسبوعيا حيث تقام مظاهرات كل يوم أحد من حينها إلى يومنا هذا لم تتوقف أبدا. بل وقام بعض هؤلاء بالاحتجاج داخل السفارة القمرية في باريس، بعد أيام قلائلة من الانتخابات المزورة، عن طريق شل حركة السفارة خلال ساعات ولم ينته الاحتجاج إلا بعد تدخل الشرطة الفرنسية لتهدئة الأوضاع. لم يكن المتظاهرون ينتمون إلى أية منظمة إلى أن شاعت تسميتهم بجماعة “دولة الحق”، وهو الشعار الذي أطلقه الشاب الناشط الذي يسمي نفسه “امبايِ اترامْبُوِي” على حسابه في الفيسبوك “mbaye trambwe”.
    والشعار الحقيقي هو “حتى دولة الحق” بمعنى سنصمد إلى أن ترى دولة الحق والقانون النور. وفي محاولة لتنظيم أنفسهم، وهنا أتحدث خصوصا عن المتظاهرين في باريس حيث كنت واحدا منهم، قام بعض الشبان بإنشاء جمعية ” الشجعان” وقام آخرون بإنشاء جمعية “مابيجا” وهم من قاموا بزعزعة أركان نظام العقيد في المظاهرات الأخيرة التي شهدتها جزر القمر قبل أن يتم سجنهم ومطالبتهم لاحقا بمغادرة أرض الوطن.
    أما الهاربون السياسيون الذين كان جلهم أعوانا للنظام عند تغيير الدستور، ومن ثم مرشحين في الانتخابات الهزلية المبكرة فهم قد أتوا إلى فرنسا بعد ما بدأت احتجاجات المجتمع المدني، وحاولوا الانخراط فيها فور مجيئهم إليها لكن لم تسمح لهم هؤلاء لاعتبارهم أعوانا للنظام. إلا أنه مع مرور الوقت استطاعوا أن يجدوا لأنفسهم مؤيدين ومن ثم سُمِحَ لبعضهم أحيانا بإلقاء كلمة، ولكن مع ذلك تظل المعارضة الحقيقبة هو المجتمع المدني.
    وفي الختام، أود أن أذكر للأخ الكاتب، أن السياسة خبث في خبث، لا سيما في زمن العولمة حيث مصير الدول مرتبط ببعضها البعض. لكن رحلة الميل تبدأ بخطوة. ورحم الله آباء الاستقلال، كانوا أعضاء في البرلمان الفرنسي ولكنهم لم يركنوا، بل شاء القدر أن تُنَظَّمَ المباراة في ملعب غيرهم، لكن لم يمنع ذلك أن تكون اللعبة لعبتهم وفق الاستراتيجية التي انتهجوها لأنفسهم.

    كل الآراء الواردة في المقال يتحمل الكاتب فقط كامل المسؤولية

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top