الرئيس محمد تقي عبد الكريم : من قمة الحب إلى قاع الكراهية

كثيرا ما تردد في حق الرئيس القمري الراحل محمد تقي عبد الكريم ”  بأنه المحبوب بالمجان ” وإن صحت الترجمة  فهذا يعني أن القمريين أحبوا الرئيس دون مقابل،  لكن إن كان الأمر كذلك فلماذا تخلوا عنه وشجعوا الخروج والتمرد عليه ؟
ولد الرئيس محمد تقي عبد الكريم في 20 من فبراير عام 1936 بمدينة امبيني شمال شرق جزيرة القمر الكبرى من عائلة مرموقة ، مما جعله  من القلائل الذين التحقوا بالمدارس الفرنسية في وقت مبكر،  فقد درس في مدغشقر وفي فرنسا،  وحصل على شهادة الهندسة في الأشغال العامة ، ثم عاد إلى جزر القمر فعينه رئيس الحكومة آن ذاك سعيد محمد شيخ مسؤول الأشغال العامة في جزيرة أنجوان  ليتعرف هنالك على الرئيس أحمد عبد الله عبد الرحمن.
واشتهر محمد تقي عبد الكريم في عالم السياسة عندما قاد وزارات التنمية والتعليم والتنمية المستدامة  من عام 1971 إلى عام 1974، ثم وزارة الداخلية  في حكومة أحمد عبد الله عبد الرحمن عام 1975
واستطاع عبد الكريم لفت انتباه الناس إليه من خلال مواقف سياسية  اتخذها، فصنعت  له صورة ذهنية لدى الشعب كمخلص له ؛ ففي عام 1975 بعد انقلاب الرفيق علي صالح ضد الرئيس عبد الرحمن ، اختار عبد الكريم الذي كان وزيرا للداخلية حينه، النأي عن النفس  فعاد إلى مسقط رأسه  بعيدا عن الأنظار، لكن عاد ظهور اسمه من جديد بعد القبض عليه من سلطات الرفيق صالح ، إثر اتهامه بمحاولة الانقلاب على النظام الثوري، وزج بالسجن، حتى عام 1978 عندما تم الانقلاب على الرئيس المرشد علي صالح، ليصبح محمد تقي عبد الكريم من أقرب المقربين إلى الرئيس أحمد عبد الله عبد الرحمن ، وفي العام  نفسه، انتخب  نائبا في البرلمان وتولى رئاسته  حتى عام 1984 حينما قرر وضع حد مع الرئيس عبد الرحمن في بادرة يصعب فهمها ، وذلك بعدما وصل الرئيس عبد الرحمن إلى أبعد مدى في الدكتاتورية ، وللمفارقة، فأن محمد تقي عبد الكريم  هو صاحب مشروع قانون الحزب الواحد الذي جعل السلطة حكرا  لعبد الرحمن وكان سيقضي،  إن  وفق، على حلم  أي قمري للوصول إلى سدة الحكم
ترك  عبد الكريم الرئيس عبد الرحمن واتخذ من باريس منفى اختياريا، فهل توقع  النهاية المأساوية لعبد الرحمن ؟ من يدري ؟  لكن ما قام به كان كافيا لجذب معارضي عبد الرحمن حوله ليشكل قاعدة قوية من المؤيدين وليجعل من نفسه المخلص الذي انتظره الشعب،  وهذا ما رشحه ليكون أقوى منافس أمام الرئيس سعيد محمد جوهر الذي تولى الفترة الانتقالية بعد اغتيال الرئيس أحمد عبد الله عبد الرحمن سنة 1989 ، وقد عاد عبد الكريم في السنة نفسها ليخوض انتخابات الرئاسة عام 1990 والتي فاز فيها الرئيس سعيد جوهر، ولم يقبل عبد الكريم بالنتيجة  محملا  جوهر، المسؤولية  وعاد إلى باريس مرة أخرة بعد مصالحة  لم تطب فيها النوايا ، وربما كان الانتقام هو ما كان يراود التفكير،
ففي سنة 1992 عاد اسم عبد الكريم إلى الواجهة مرة أخرى باتهامه أنه وراء محاولة انقلاب على الرئيس  جوهر وصدر بحقه مذكرة توقيف دولي مما يجعله يتوارى عن الأنظار لمدة ثلاث سنوات، ولم يتراجع  عن أهدافه الانتقامية ربما عن قناعة منه أن بوجود سعيد جوهر على الحكم  لن يستطيع أحد الوصول إلى الرئاسة  عن طريق الصناديق ، ويمكن القول إن الواقع القمري كان فيه ما يؤكد ذلك، فعاد للظهور مرة أخرى محمولا على أكتاف المرتزقة سنة 1995 في انقلاب قاده بوب دينارد على الرئيس جوهر  فتم تعيين  عبد الكريم على رأس مجلس سياسي أقامه المرتزقة والذي لم يستمر أكثر من 48 ساعة
فبعد جولات من الصراع لأجل السلطة كانت لاتزال شعبية عبد الكريم دائما في صعود وجاءت ساعة الحسم في عام 1996 حينما حقق فوزا ساحقا على منافسه عباس جوسف في جولة الإعادة بحصوله على64,16%  ليكون بذلك الرئيس الرابع لجمهورية القمر الاتحادية الإسلامية، ويبدأ بعد ذلك رحلة المحنة مع الشعب القمري الذي رأى فيه المخلص  من قبل.
تسلم الرئيس محمد تقي عبد الكريم  دولة منهارة اقتصاديا وبدأت الديون تثقل كاهل الدولة خاصة بعد مؤتمر داكار سنة 1994 الذي ذهب إلى خفض قيمة الفرنك القمري 30% ، والذي كان قد سبب غضب القمريين وأدى إلى نزولهم  في الشوارع، وأصبحت البلاد تحت رحمة صندوق النقد الدولي.
علق كثير من القمريين آمالهم في الرئيس لكي يعودوا إلى أعمالهم الحكومية التي أجبرتهم إجراءات التقشف لتركها ، لكن آمالهم تبددت في ظل عدم القدرة على مكافحة الفساد والمحسوبية  و نما الإحساس أن أقرباء الرئيس محمد تقي عبد الكريم استحوذوا على مناصب الدولة بل ذهب أهل جزيرة أنجوان إلى اتهام انغازيجا  بالاستحواذ على المناصب ، وبين هذا وذاك كان الرئيس غارقا في جولاته الخارجية وغابت سلطات الدولة عن ما عدى العاصمة موروني، وفي ظل كل ذلك كانت هناك المعارضة التي تتمنى سقوط رئيس الدولة من أي منحدر، ولم يجدوا بدا في مباركة موجة التمرد، التي اجتاحت جزيرة أنجوان التي لم تغب عن بال الرئيس، وإن غاب هو عنها،  وجاء العصيان المسلح في الجزيرة ليتأكد للرئيس أنه لم يعد هو المعشوق والمخلص الذي انتظره القمريون
وفي الخامس من نوفمبر 1998جاء الموت ليغيب  نجم جزر القمر معشوق الجماهير السيد الرئيس محمد تقي عبد الكريم ليترك للقمريين دروسا في السعي من أجل الحكم،  ولا توجد بوادر تشير بأنهم سيستفيدون منها .

كتبه /حامد علي محضار

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *