هل تدويل الأزمة السياسية في جزر القمر سيحمي النظام من السقوط؟ وما تداعيات دور مسکو وباريس في هذا الصراع؟

بقلم/ يوسف مباي علي – باحث في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بباريس

 

قبل الخوض في تفاصيل الأزمة المستعصية التي تضرب جزر الأرخبيل في الوقت الحالي، لابد أن نتطرق حول ملابسات الأحداث، الأسباب والدوافع، الطموحات والخيارات. فلا يوجد مجال للشك أن البلاد وضعت في مستنقع خطير للغاية بإشراف أطراف خارجية وأيادي تسمي نفسها وطنية بغية السيطرة على مزيد من مقدرات الدولة، والتوسع بالرخاء علی حساب حقوق و دماء الشعب القمري. غير أن السٶال الذي يطرح نفسه علی کل متابع للشأن القمري، هو، من الذي وراء هذه الکارثة غير الطبيعية التي تهدد مستقبل الأرخبيل؟ وما انعکاستها في الداخل والخارج؟
سياسياً، فإن هناك عروش مرتعشة، ومهددة بالزوال، ولكن في هذه المرة ليس بطوفان من السماء تنزل به الملاٸکة، ولا عملية إنزال کومندوز المرتزقة الفرنسيين کما هو معتاد في أرخبيل القمر. وإنما للمرة الأولی يقتنع الشعب القمري أنه حان الأوان لتصحيح أوهام الذين يدعون بقدسية القيادة والمناصب لتمرير مصالحهم الشخصية.أخطاء تربع عليها أصحاب الهمم الضعيفة للهيمنة علی مقدرات البلاد و العباد منذ عهد الاستقلال إلی وقتنا هذا. غير أن الذي يهمنا في هذا المشهد الرهيب، هو قلب الحدث والمکينة السحرية المحركة لهذه الأزمة.
فمن الواضح أن الصراع يأتي بعد تصفية حسابات من قبل الإمام غزالي وأعوانه من أجل قلب موازين القوی السياسية في البلاد بتغيير اللواٸح الدستورية، وضرب بکل الحيل الاتفاقيات السياسية عرض الحاٸط، وخلط کل أوراق اللعبة السياسية لصالح جناحه السياسي. ولم يکن هنالك ضير في زج حلفاٸه بالأمس في السجون بغية إفصاح المجال لبرامجه الطموحة، وفي مقدمتهم الأستاذ أحمد عبد الله محمد سامبي، الرئيس الأسبق، ونائبه في رئاسة الجمهورية، سيد أحمد جعفر، وتهجير الآخرين بالقوة وتکتيم أفواه القلة الباقية لتأمين بقائه الأبدي في قصر بيت السلام، وذلك بمصادرة الصحف الخاصة، وتضييق الصحفيين غير الموالين للنظام، ما دفع البعض منهم إلى ركب أمواج البحر نحو اللجوء. ذك جزء من حسابات النظام في الداخل.
أما خارجيا، فإن سياسة جزر القمر تمر بأسوء مراحلها منذ أن طويت صفحة الانقسام الداخلی إبان أزمة انفصال جزيرة أنجوان. فالطفرة التي حققها الاستاذ أحمد عبدالله محمد سامبي في السياسة الخارجية والدبلوماسية المرنة التي اتبعتها الخارجية القمرية حينذاك لم يکتب أن ينال الشعب القمري ثمارها من الرخاء والتنمية المستدامة.
بل تحولت الآن اإلی مجال للسخرية وأضحوكة في الميادين الدبلوماسية والسياسية، وکذلك في المٶتمرات الدولية. فبالرغم من الزخم الدبلوماسي الذي شهدته العاصمة موروني مٶخرا من الزيارات المکوکية من مسٸولين رفيعی المستوی، وکذلك الرجل الثاني في الدبوماسية الروسية عشية الانتخابات المزعومة، إلا أنها لم تأت بجديد سوى طمأنة أصحاب القرار في قصر بيت السلام، أن لا خوف عليکم بعد الآن، لأن سياسة الإمام غزالي الخارجية أقوی مما کانت عليه من قبل. ولا ينبغي التخوف من تزوير إرادة الشعب اذا دعت الضرورة فالشرعية الدولية أقوی من التشريع الداخلي.
فقد أعلنت بعض الدول العربية في کثير من المناسبات وقوفها جنبا إلی جنب مع سياسة غزالي لتحقيق برامجه السياسية لغاية عام ألفين وثلاثين. أما المقابل، فهو المساعدة على فرض قيود لحرکات أحمد عبدالله محمد سامبی، کونه الرمز الحقيقي لتوغل الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأرخبيل. أما ما يتعلق بتوجه السياسة الخارجية القمرية شطر العاصمة الروسية موسکو، فإن المراقبين يعتقدون أنها بمثابة تحد سياسي آخر لباريس، وهو اختبار صعب للخارجية القمرية، وخيار غير مدروس العواقب.
ذلك، أن فرنسا تنظر بعين الريبة خطوات الخارجية القمرية المتجهة نحو روسيا بمثابة طعنة في الظهر، نظرا لخصوصية العلاقات الاستراتيجة التی تجمع بين البلدين الصديقين، والعلاقات غير الهادٸة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية، منذ أخذ فلادمير بوتين زمام الأمور في الکرملين، ومحاولة سيطرة حلف الناتو کل منافذ روسيا الخارجية. يشار أن روسيا الاتحادية تعد المناوئ الرٸيسي للاتحاد الأوروبي الذي تتزعمه فرنسا.

ويتضح الغضب الفرنسي في وقوفها موقف المتفرج حيال الأزمة الضاربة، وعدم إبداء الرغبة في مساعدة النظام للخروج من مأزقه الراهن، وکذلك عدم استعمال فرنسا نفوذها للحيلولة دون إصدار الاتحاد الأوروبي البيان المندد بتزوير الانتخابات، إضافة إلى إصدار الخارجية الفرنسية تحذيرا لمواطنيها علی أخذ کل الحذر في زيارة بلاد الأرخبيل في هذه الأوقات، وفتح قنوات التواصل مع المجلس الوطني الانتقالي.
وهي خطوة يفسرها المراقبون أنه مٶشر لتخلي فرنسا عن نظام غزالی الذي أزعج باريس مٶخرا بسبب الأزمة في جزيرة مايوت المحتلة، وبالتالي فإن فرنسا لا تبدي الرغبة في استمرار غزالي في السلطة. من هنا، يری المحللون السياسيون أن الإمام غزالي فقد عنصرا مهما في المعادلة السياسية الراهنة.
وأما الولايات المتحدة الأمريکية هي الأخری، فقد سحبت موظفيها الدبلوماسيين من البلاد إلی إشعار آخر، ونددت بطريقة تعامل النظام مع المعارضين السياسين، وکذلك الاتحاد الإفريقي ندد بالتزوير والتخريب الواسع النطاق، الذي شهدته العملية الانتخابية مٶخرا. وکذلك منظمة الکوميسا، ومنظمة حفظ الأمن والسلم الإفريقي، والمنظمة الفرنکوفونية، والأمين العام للأمم المتحدة. فأية شرعية دولية يطمحها نظام الإمام غزالي لتمرير مشروعه الانتخابي؟
أما تقارير جامعة الدول العربية وحدها حول سير الانتخابات، فإن الشعب القمري کغيره من الشعوب العربية لا يمکن الاعتماد عليها، فهي منظمة مغلوبة علی أمرها، وتمر بمرحلة لا تحسد عليها، وليس باستطاعتها تقديم الغطاء السياسي الضامن لبقاء نظام غزالي في السلطة.
من هنا، فإن توقعات کثير من المراقبين الدوليين والمحللين السياسيين يرون أن سقوط غزالي بات مسألة وقت لاغير، لأن دوام الحال من المحال … والله غالب.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *