انتقاد المفتي ليس هجوماً على ألسنة

ردا على المقال المنشور في موقع “من جزر القمر” بتاريخ ١١/٨/٢٠٢٠ المعنون ب ” الهجوم على المفتي هجوم على الدولة السنية ” للكاتب سلطان رسول، بداية لابد من بيان طبيعة منصب المفتي حيث يعتبر من المناصب الحديثة في الدول الاسلامية، فهو ابتكار يعود أساسا إلى القرن التاسع عشر والعشرين، حين بدأت الدول آنذاك بتعيين مسؤولين دينيين رغبة منها بتأسيس بيروقراطية منوط بها إصدار الفتاوى الشرعية.
ومن هنا اكتسبت دار الإفتاء طابعها الرسمي، وغير بعيد عن الرسميات فقد أقيم في العاصمة موروني قبل أيام حفل رسمي، حضره رئيس الجمهورية و وزير العدل والنائب العام ، أدلى فيه سماحة المفتي بتصريحات غريبة عجيبة اتهم فيها الرئيس الأسبق عبدالله سامبي جزافا بتشجيع مروجي المخدرات على توزيعها والتجارة بها في بلادنا.
وبهذا صنفه كعدو  أول للوطن وقد قوبل هذه التصريحات بزوبعة من الانتقادات الشديدة سواء من مؤيدي سامبي أو من معارضي النظام القائم ، وفي هذا الجو المشحون لجأ البعض إلى الإساءة وقلة الأدب كوسيلة للتعبير عن رفض ما بدر من سماحة المفتي، وهذا تصرف مدان من جانبنا، أما اعتبار كاتب المقال بأن الانتقادات الموجهة إلى سماحة المفتي هو هجوم على الدولة السنية على حد زعمه، ففيه من المغالطات الكثيرة ، منها ما أدعو الكاتب إلى التوضيح أكثر عن الدولة السنية التي تم الهجوم عليها بانتقاد المفتي، لأني لا أراها في أرض الواقع _ مقوماتها جغرافيتها وحدودها _ أما إذا كان الكاتب يقصد بالدولة السنية سياسة المحاور والتحالفات في الشرق الأوسط فأعتقد أن من هذا الجانب قطعت جهيزة قول كل خطيب، باحتلال إيران الشيعية أربع عواصم عربية، أي هذا التحالف قد هزم شر هزيمة .
لكن لنفرض جدلاً بوجود هذه الدولة الخيالية، كم هي هشة هذه الدولة لدرجة أن انتقاد المفتي فيها يعتبر هجوماً عليها !! هذه نقطة ؛ .
أما النقطة الثانية لماذا لم يفصح المفتي عن هذه المعلومات لحظة علمه بها ؟ لماذا انتظر إلى أن تبوأ منصب المفتي ؟ قد يقول قائل بأنه من الممكن أن الرجل قد خاف من قول الحقيقة في ظل حكم سامبي، أجيب بأن سامبي ترك منصبه كرئيس للجمهورية منذ ما يقارب ثماني سنوات ولم نسمع من المفتي همسا .
ولو كان خائفا من مواجهة رجل كان يغرق مجتمعنا بالمخدرات ويسميه الآن العدو الأول لبلدنا، فهو ليس جديرا بترأس دار الإفتاء، فهذا منصب يتطلب الشجاعة في نصرة الحق ولا يخاف من يتولاه في الله لومة لائم.
إذن التفسير الوحيد لتصرف المفتي هو منافقته للسلطة التي عينته والتقرب أكتر من ولي نعمته.
 أما ما يقال عن قوله ما يوجبه دينه ووطنه فهذا مناف للحقيقة والمنطق السليم لأنه لو كان المفتي طالب حق لكان قدم أدلة كلامه إلى النائب العام الذي كان على بعد مترين منه إضافة إلى تقديمه شكوى ضد سامبي الذي يدفع ثمن حماقة قراراته السياسية.
تصريحات المفتي هذه أجهضت كل الآمال التي كانت معلقة عليه بانتهاج نهج جديد لتصحيح المسار الذي سلكه سلفه، بتبني رؤية مختلفة ومقاربة جديدة قائمة على الوقوف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين، وأجزم أن هذه الخطوة لو تحققت كانت كفيلة بإعادة الثقة والهيبة المفقودتين إلى دار الإفتاء، وبالتالي منح المفتي جرعة معنوية ودعم مجتمعي يؤهله للعب دور الوسيط في أزماتنا السياسية الراهنة والمستقبلية .
وفي النهاية لابد من توضيح شيء آخر وهو أنني لست من مناصري ومريدي الرئيس الأسبق عبدالله سامبي، بل رجل ومواطن يحلم بأن يرى الحق يوماً يسود على جنبات وطننا الغالي.

 طويل مولد صالح

 باحث ماجيستير في القانون العام

كل الآراء الواردة في المقال يتحمل الكاتب فقط كامل المسؤولية 

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *