من المؤكد أن الاقتصاد في جزر القمر يحتاج إلى قيادة تتمتع بالكفاءات العلمية الاقتصادية، لتنقذ الاقتصاد الوطني من محنته ، من خلال مجهودات و برامج ومخطط و استراتيجيات هادفة على كافة مستويات الدولة ، من شأنها إجراء تحويلات عميقة في البنية و الهيكل الاقتصادي و الاجتماعي ، كثير من المفكرين الاقتصادين يرون ” أن التنمية تمثل نهج حياة يعتمده المجتمع ليوظف فيه كل إمكانياته و قدراته للانتقال من حال إلى حال آخر و على كافة الأصعدة “” (١)
إذا كان الأمر مرتبط بطبيعة المجتمع و نهج حياته فهنا الأمر يكون نسبيا و مرتبطا بتجارب و ظروف و خصائص كل شعب .
يقدم دكتور مطانيوس حبيب تعريفا للتنمية الاقتصادية ؛ ” مجموعة من الإجراءات و التدابير الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الهادفة إلى بناء آلية اقتصادية ذاتية تضمن تحقيق زيادة حقيقية مضطردة في الناتج الإجمالي و رفع مستمر لدخل الفرد الحقيقي كما تهدف إلى تحقيق توزيع عادل لهذا الناتج بين طبقات الشعب المختلفة التي تساهم في تحقيقه “(٢)
من خلال قراءة هذا التعريف الذي يتضمن مجموعة من المفاهيم المهمة والتي يجب الأخذ بها بعين المستفيد ، يجب أن تكون التنمية في جزر القمر تتكون من مجموعة من الإجراءات المترابطة و المتناسقة و مجموعة من التدابير المخططة اقتصادية و اجتماعية و ثقافية، تهدف إلى بناء آلية اقتصادية وطنية ذاتية ، هذه الإجراءات و المخططات قابلة للقياس ، بمعنى يمكن الرجوع إليه و بيان جوانب الإنجازات و الإخفاقات ، كما أعلن الحكومة القمرية على لسان رئيس الجمهورية في جزيرة أنجوان ٢٠٢٠/٨/١٣ عن خطة الدولة بتنفيذ مجموعة من المشاريع التنموية محددة بالأرقام ، هنا يمكن قياس هذه الخطة الاقتصادية من خلال تتبع ما تم إنجازه أو ما لم يتم من خلال النسب المئوية المتعلقة بالخطة ،
لا يجب أن تكون التنمية في جزر القمر حدثاً عفوياً و عشوائياً و مرتبطةً بمزاج فرد أو مجموعة بعينها ، و إنما يجب أن تكون عملية إرادية مقصودة و مخططة سابقا ، و يتطلب في هذه الحالة :
– تدخل الدولة في عملية الإنتاج من أجل توجيه و إرشاد الاستثمارات إلى فروع معينة ،
– و يتطلب قراءة نقدية تهدف إلى إصلاح أو تغير البنيان أو الهيكل الاقتصادي في الدولة بما يتوافق مع احتياجات الاقتصاد الوطني ، أقصد هنا نسبة مساهمة كل القطاعات الاقتصادية في الناتج القومي ،
مشكلة تمويل التنمية في جزر القمر
” تمويل التنمية هو توفير الأموال من أجل إنفاقها على الاستثمارات و تكوين رأس المال الثابت بهدف زيادة الإنتاج و الاستهلاك “(٣)
و هذا يعني أن هناك مجموعة من الأموال تتدفق إلى الدولة وتكون { محلية أو أجنبية }، يفترض أن توجه تلك الأموال إلى تحقيق برامج و مشاريع تنموية مهمة ، في جزر القمر يشكل عنصر رأس المال عنصرا مهما و بنفس الوقت غير متوفرة بكميات كبيرة ، و هنا تكمن المشكلة و أهميتها
– من حيث القدرة على توفير رأس المال للاستثمار !،
– أهمية تركيز تمويل التنمية على الموارد المحلية،.
لكن واقع جزر القمر هناك قصور شديد و حاد في مصادر التمويل المحلي ، و هنا يمكن تفسير لجوء الدولة القمرية بأن تستعين بمصادر التمويل الخارجية ، و من البديهيات أنه إذا زاد التمويل الخارجي من القروض قد تترتب على الدولة أعباء ثقيلة قد ترهق الاقتصاد الوطني . وهذا ما نشاهده في جزر القمر من خلال التقارير العالمية السنوية التي تصنف الدول الأكثر مديونية في العالم ، و جزر القمر تعتمد استراتيجية على التمويل الخارجي بشكل كبير ، و هذا أيضا يفسر الإخفاقات المتتالية في بناء آلية اقتصادية ذاتية نتيجة،
عدم التقدير بدقة مقدار مصادر التمويل الداخلي اللازمة لتغطية الاستثمارات، و بين مقدار الأموال اللازمة لإنجاز خطط التنمية المرسومة !!،
باستثناء ما تم إعلانه عن مقدار الأموال اللازمة لتغطية مشروع ٢٠٣٠ في جزر القمر المزمع تنفيذه من قبل الحكومة، في المؤتمر الصحفي أثناء المنتدى القمري الفرنسي للاستثمار في جزر القمر الذي عُقد في باريس مطلع عام ٢٠٢٠،!!
وبصورة عامة تستطيع الدولة متى توفرت العزيمة و الإرادة الحقيقية لدى قيادتها أن تحقق التنمية في جزر القمر بتوجيه القليل من التمويل الداخلي و الخارجي حسب أولويات مدروسة بشكل علمي ودقيق من قبل الجهات المخططة و ليست بطريقة عشوائية ، كما أعلنت الحكومة عبر ناطقها الرسمي٢٠٢٠/٧/٣٠ نيَّتها بترميم مطار -واني- في جزيرة أنجوان لتصبح مطارا دولياً و مع إمكانية بناء مطار دولي آخر في نفس الجزيرة ، على الرغم من ضعف التمويل و شح الرحلات الجوية الدولية ، و التكاليف المالية الكبيرة ،
استراتيجية الهبات و المعونات في سياسة الاقتصاد القمري
تشكل الهبات و المعونات مصدرا مهما في تمويل المشاريع التنموية في جزر القمر ، و تعتبر الهبات و المعونات أحد أشكال تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى الدولة القمرية ، و تعتمد بشكل كبير على هذا النوع من التدفق المالي ، نظرا لخصائص هذا المصدر التمويلي الخارجي ، فالدولة غير ملزمة على ردها أو سدادها و لا تشكل عبئا على اقتصاد الدولة ، لذلك نجد الكثير من تصريحات قيادات الدولة تعلن بشكل استمراري و وبضوح على أنها سوف تتوجه إلى الدول الشقيقة و الصديقة للحصول على مساعدات ( هبات و معونات ) في تمويل أي مشروع وطني ، و تكمن الكارثة في عدم قدرة الدولة في تحقيق فائدة ملموسة بتوجيه تلك المساعدات ( الهبات و المعونات ) إلى مجالات الاستثمار و تمويل مشاريع إنتاجية أساسية ، و قد تكون لأسباب موضوعية ذاتية تتعلق بتدني مستوى الكفاءات الاقتصادية لدى القيادات المخططة ،
إن قيادة الدولة القمرية قد استسهلت عملية الاقتراض من الخارج و استراتيجية طلب الهبات و المعونات بدلا من الاهتمام بتطوير أساليب الإنتاج أو دعمه في الدولة و تكوِّن آلية اقتصادية ذاتية قوية ، و من بعده يتم اللجوء إلى الاقتراض أو طلب الهبات الخارجية بحدود حاجة الدولة الفعلية ، و هذا يفسر مدى الإخفاقات في إنجاز تنمية اقتصادية حقيقية و وقوع الدولة في أزمة المديونية الخارجية ،
محمود ناصيف مهوما
كاتب ومحلل سياسي قمري
كل الآراء الواردة في المقال يتحمل الكاتب فقط كامل المسؤولية
…….
الهوامش :
(١) صابر بلول ،اقتصاديات بلدان النامية ، منشورات جامعة دمشق – كلية العلوم السياسية ،٢٠١٢-٢٠١٣م
(٢) صابر بلول ،محمد أكرم الأحمد ، التنمية البشرية ، منشورات جامعة دمشق – كلية العلوم السياسية ،
(٣) صابر بلول ، مرجع سابق