من جزر القمر

الطفل قبل كل شيء

إن الاهتمام بتنشئة الطفل هو اهتمام بالتنمية الحقيقية والمستقبل، وتشكل الثقافة التي يكتسبها الأطفال محددا لسلوكهم المستقبلي ونسبة نجاحهم وأدائهم

فالطفل بفطرته مهيئ لاستقبال خبرات نموه واستيعابها من الواقع الإنساني، والاجتماعي والثقافي، وفي حالة مستمرة من الاستجابة النشطة لمثيرات نموه وارتقائه.

ويعتبر الإنسان الفرد الذي يعيش فاعلا في جماعة ومجتمع هو الركيزة الأساسية للنهضة والتقدم. وإذا كانت عمليات التنمية البشرية تستهدف كل البشر، فإن الأطفال هم الذين سوف يشكلون مجتمع المستقبل، ومن ثم فإن اتجاههم صوب العناية والرعاية العقلية والنفسية والاجتماعية هو أحد الأركان الأساسية لبناء التنمية الإنسانية، فلم يعد الطفل في ضوء هذا المفهوم مفعولا به، بل أضحى فاعلا قادرا على أن يصنع حياته وأن يعيشها بالكامل، بحيث تتحقق له كل صور النمو الجسدي والعقلي والوجداني والنفسي.

والواقع أن الطفولة البشرية تمتد سنوات لا تقل عن اثني عشر سنة، كما أن الطفولة البشرية تزداد بازدياد التقدم البشري.

والاهتمام بالطفولة بالتأكيد، كان حاضرا منذ بدء الحياة الإنسانية، ولكن الاهتمام باكتشاف الحقائق في هذا المجال وفقا لمنهج العلم، لايزال حديث النشأ.

ومرحلة الطفولة من أهم مراحل التكوين ونمو الشخصية، وهي مجال إعداد وتدريب للطفل للقيام بالدور المطلوب منه في الحياة، ولما كانت وظيفة الإنسان هي أكبر وظيفة ودوره في الأرض هو أكبر وأضخم دور، اقتضت طفولته مدة أطول، ليحسن إعداده وتربيته للمستقبل ومن هنا كانت حاجة الطفل شديدة لملازمة أبويه في هذه المرحلة من مراحل تكوينه.

يقول الإمام الغزالي : فالصبي إذا أهمل في ابتداء نشوئه خرج في الأغلب رديء الأخلاق كذابا حسودا سروقا نماما لحوحا، ذا فضول وضحك ومجانة، وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب.

وقال سيدنا داود عليه السلام:” إلهي كن لابني كما كنت لي” فأوحي الله تعالي إليه: ” ياداود: قل لإبنك يكن لي كما كنت لي ، أكن له كما كنت لك”.

يقول العرب: الطفل أبو الرجل ويعني هذا: أن داخل كل طفل منا توجد ملامح الرجل الذي سيكونه في المستقبل . ويعني أيضا: أن أحداث الطفولة هي التي تحدد جزءا كبيرا من شخصياتنا واتجاهاتنا.

لذا علي الآباء والأمهات أن يتواضعوا احتراما أمام عظمة الطفل، وأن يفهموا أن كلمة الطفل لفظة مرادفة لكلمة ( الملك)، وأن يشعروا بأن من ينام بين ذراعيهم بشكل طفل هو  ( المستقبل) بنفسه، وأن من يلعب الآن بين أقدامهم مستغرقا في اللهو، هو (التاريخ) بعينه.

ولم ينحصر كون الطفل هو المستقبل بنفسه والتاريخ بعينه بل امتد ليكون هو (صدقة جارية) بعد موتك وانقطاع عملك أيها المربي الكريم لقول المربي الأول صلى الله عليه وسلم: ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له “. رواه مسلم.

إن المدقق في هذا الحديث الشريف يلحظ أول ما يلحظ أن الأعمال الثلاثة التي تنفع الإنسان بعد موته إنما هي ثمرات يجنيها المسلم من تربيته لأبنائه، وربما لا يتوفر هذا في عمل آخر مثل تربية الأبناء. فابنك الذي علمته الإسلام قد تعلم أن بره لوالديه من طاعة الله، وهي من أوائل ما يتعلمه ويشب عليه ومن بره بوالديه أن يدعو لهما بعد مماتهما أولا. ثم إن تعليمك له الصلاة والصيام والخلق الحسن وغيرها من مصالح الأعمال هي علم ينتفع به. ثالثا هو الصدقة الجارية فأنت تعلمه الصلاة فتثاب علي صلاته، كما يثاب هو ، وعندما يتزوج يعلم أولاده ما علمته إياه فيصلون فتثاب كما يثابون، وهكذا باقي الأعمال الصالحة.

ولقد عني الإسلام بالطفل قبل تكوينه وولادته. فما تأكيد الزواج الصحيح القائم علي المودة والرحمة والعلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة، إلا حفاظا علي نسب الطفل وحقوقه وصحته النفسية ووضعه في الأسرة والمجتمع.

يقول الله تبارك وتعالى “والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات” النحل 27.

وقد اعتبر الشريعة الإسلامية الذرية من مظاهر الأنس والبهجة في الحياة. قال تعالي:(المال والبنون زينة الحياة الدنيا) الكهف: 46.

قال تعالي: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا.” وقال تعالي : “ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة.

يقول رسول الله (ص) كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول، وقوله (ص): كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. كان الأمر بوقاية صغارنا وحمايتهم من الأمراض والحفاظ عليهم واجبا دينيا وفرضا اجتماعيا وإلزاما قوميا والتهاون في هذا الواجب فيه تهلكة. يقول رسول الله (ص): من استرعى رعية فلم يحطمها بالنصيحة حرمت عليه الجنة.

وأي تهلكة أصعب وأقسى من أن يقدم الإنسان فلذات كبده طعاما للهلاك وفريسة سهلة للضياع. فوقاية النفس من الهلاك يكون معها وعلى نفس المستوى وقاية الأهل من الهلاك والنار.

تشريفة جاي مباي

طالبة ماجستير في التربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.