المرأة القمرية والمشاركة السياسية في ظل أنظمة القيم السائدة في البلاد

       تحكم المرأة القمرية ثلاثة أنظمة قيم مختلفة تتوافق أحيانا وتتعارض أحايين كثيرة، ذلك أن الإطار القانوني لجزر القمر يستند إلى نظام مكون من ثلاثة مصادر مختلفة

إبراهيم نيدهوار

ألا وهي القانون الإسلامي والقانون الوضعي والقانوني العرفي { عادة نا ميلا وميلانانتسي}، الأمر الذي يدفعنا إلى القول إن هذا النظام القانوني يكرس بشدة فكرة التعددية القانونية التي تقضي بوجود أنظمة قانونية متعددة في البلد الواحد تتداخل فيما بينها أو تتقاطع، أو تتنازع أو تتنافس مع بعضها البعض، والتي تشمل عادة القانون الرسمي للدولة والممارسات العرفية أو التقليدية والنظم القانونية الدينية سواء أكانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية أو غيرها، إلى جانب القانون الدولي.

وتاريخيا، كان للمرأة شأن كبير وعظيم باعتباره نصف البشرية إن لم نقل أكثرها، إلا أن مركز المرأة اختلف باختلاف الأمم والأصقاع والأقاليم ذوات الطبائع المختلفة وما تعاقب عليها من أزمنة قديمها وحديثها، وكذلك ما تقلب عليها من عوامل متنوعة دينية واجتماعية وأخلاقية.

 فبعض الأمم القديمة اعتبرت المرأة بمثابة الحيوان، للرجل حق في امتلاكها كما يمتلك الحيوانات، وحياتها تبعية لحياة الرجل، فما كان على المرأة إلا أن تطيع الرجل وتنفذ أوامره، ومنحت بعضها المرأة بعض الحقوق كالإرث لكن تحت ولاية الرجل وقيمومته، في حين جعلت بعضها المرأة تبعية للرجل وأسقطت جميع مظاهر استقلالها في الإدارة والعمل، فمعظم الأمم والحضارات كانت تعامل المرأة معاملة فضة إلى أن جاء الاسلام.

هذا الأخير الذي رفع من شأن المرأة ومنحها مجموعة من الحقوق، ومنها حق المرأة في المشاركة السياسية الذي أثير حوله جدالا بين معارضين بحجة وجود بعض العوارض الفيسيولوجية تجعل المرأة غير قادرة بدنيا ونفسيا وفكريا على تحمل المسؤولية السياسية، ومؤيدين على فكرة تقلد المرأة بالمناصب والوظائف السياسية على اعتبار أن الأصل العام في التكليف الشرعي أن الرجل والمرأة سواء بسواء إلا ما استثنى فيه الرجل أو المرأة، فالمرأة إنسان مكلف مثلها مثل الرجل، وهذا ما تؤكده العديد من الآيات القرآنية، كقوله تعالى” بعضكم من بعض” آل عمران، والأحاديث النبوية كقوله صلى الله عليه وسلم” إنما النساء شقائق الرجال” رواه أحمد، كما أن المتتبع للحكم الإسلامي يلاحظ مظاهر عديدة من مشاركة المرأة المسلمة في دائرة ممارسة العمل السياسي، من ذلك: الهجرة التي تعد حدثا تاريخيا مهما في الحياة السياسية للدولة الإسلامية، والبيعة الشبيهة لعملية الانتخاب في لغة الديمقراطية الحديثة، وإعطاء الأمان…إلخ.

إلى جانب هذا، أقر القانون الوضعي القمري للمرأة القمرية مجموعة من الحقوق والحريات بالتساوي مع الرجل القمري، ومنها حق المشاركة السياسية بمظاهرها المختلفة و المتعددة.

فكافة دساتير جزر القمر المتعاقبة كانت تقر للمرأة القمرية الحق في المشاركة السياسية مثلها في ذلك مثل الرجل، وكرست ذلك التعديلات الدستورية ليوليو 2018، حيث يضمن الفصل 34 منها حق المرأة في الوصول إلى هيئات التمثيل السياسية محليا ووطنيا، كما ينص الفصل 36 منها على توزيع عادل ومنصف للمناصب بين الرجل والمرأة في تشكيل الحكومة.

ولا يقتصر الأمر فقط في الدستور الذي يعتبر القانون الأسمى في البلاد، بل تعدى ذلك إلى القوانين العادية والتنظيمية، فنجد مثلا القانون رقم 05-015 ينص على أنه” يجوز أن يكون ناخبين أو مؤهلين، القمريين من كلا الجنسيين…”، وزكى المشرع هذا الطرح في قانون الأسرة القمري بمنحه الأهلية الكاملة للرجل والمرأة معا في ممارسة حقوقهم المدنية { المادة 119}، مع العلم أن السن القانوني لممارسة هذه الحقوق هي 18 سنة غريغورية أو ميلادية {المادة 123 من قانون الأسرة القمري}.

هذا، ويقابل العدد الهائل من النصوص القانونية التي تسعى إلى النهوض بحقوق المرأة القمرية خاصة حقها في المشاركة السياسية، العديد من العقبات التي تواجه ممارسة المرأة القمرية حقها هذا، ولعل أهمها القيود الاجتماعية والثقافية، بحيث تشكل بعض الممارسات الثقافية والقوانين النمطية المترسخة في المجتمع القمري، والمتعلقة أساسا بأدوار كل من المرأة والرجل في جميع مجالات الحياة مصدرا للتمييز ضد المرأة التي لا تنظر في الغالب إلا بصفتها زوجة أو أم أو أخت أو بنت فلان.

ويزيد الوضع سوءا على مستوى القرى، ذلك أن الرجل القروي بجزر القمر هو المهيمن على دوائر اتخاذ القرارات ذات الطابع المجتمعي والعرفي، و هذه النزعة التحكيمية للرجل تزيد من ضعف مشاركة المرأة القمرية في النضال السياسي.

ومع ذلك، إن تاريخ جزر القمر السياسي حافل بأمثلة نساء شاركت في دوائر السلطة كجومبي فاطمة سلطان موهيلي سابقا، وسيتو رغدة محمد أول وزيرة بجزر القمر والتي شغلت منصب كاتبة الدولة مكلفة بالسكان وشؤون المرأة في الفترة الواقعة بين 1991-1992، ومنصب وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في الفترة الممتدة ما بين 1993 ـ 1995.

وجدير بالذكر أنه منذ ظهور الديمقراطية في جزر القمر ـ تحديدا في عام 1990 ـ التي أدت إلى ظهور التعددية الحزبية، شرعت العديد من النساء في النشاط السياسي، فترشحت في نفس السنة 9 سيدات في الانتخابات التشريعية لكن لم يتم انتخاب أي منهن، كما ترشح العدد نفسه بعد حل مجلس الأمة سنة 1993 لتنتخب إحداهن نائبة من بين 33 نائبا في المجلس الوطني لأول مرة في التاريخ السياسي للبلد وهي السيدة سيتو رغدة محمد المشارة أعلاه، أما خلال الانتخابات التشريعية وانتخابات أعضاء المجالس للجزر المنظمة في عام 2009، قدمت 50 امرأة أنفسهن كمرشحات وحظيت أغلبهن بدعم الأحزاب السياسية، الأمر الذي يشير إلى توجه المجتمع القمري نحو تعزيز مشاركة المرأة القمرية في صنع القرار السياسي وتنفيذه، وهذا ما تؤكده تشكيلة الحكومة القمرية الحالية، بحيث نجد عناصر نسائية كحاكم جزيرة إنجازيجا ووزيرة الصحة إلى جانب نائبة محافظ البنك المركزي وغيرها من المناصب التي تشغلها النساء والتي كانت حكرا على الرجال سابقا.   

وبالرغم من كل ما سبق، نلاحظ كون مشاركة المرأة القمرية في صنع القرار السياسي مازالت متدنية بفعل عوامل عدة كالتفسير الخاطئ للدين الإسلامي أو القوانين الوضعية التي تبقى غالبا حبرا على الورق أو الممارسات العرفية السائدة في جزر القمر، فالمرأة القمرية غائبة أو موجودة بقلة في كافة مستويات التدبير السياسي والإداري والاقتصادي للبلاد، وهذا ليس بأمر جيد، ذلك أن المرأة اليوم  أصبحت تقاتل إلى جنب الرجل لمكافحة التحديات الراهنة كالفقر وانتشار الأوبئة والإرهاب والتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية… أفما آن الأوان للمرأة القمرية أن تشارك بفعالية في صنع القرار السياسي وتنفيذه في بلدنا جزر القمر؟  

بقلم / إبراهيم نيدهوار

باحث في تحديات السياسة الدولية.

كل الأفكار والآراء الواردة يتحمل كاتبها كامل المسؤولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.