علي صالح ينظر إليكم الآن

قرأت المقالة التي كتبها الأستاذ محمد يوسف عبده بعنوان- اتحادنا إلى أين – ووزعها خلال الندوة التي نظمها اتحاد طلبة جمهورية القمر المتحدة – في مستهل مارس الماضي2011 وأنا أحييه شخصيا على تصديقه وهو الناقد الأدبي الفذ المنهوك بالتجارب الطلابية المتلاحقة ، للإجابة على الأسئلة الخطيرة التي تصدى لها بعد أن أصبحت مطروحة علينا جميعا بإلحاح شديد ،

تتطلب التفكير فيها للوصول إلى اجابات مقنعة لها,,, و أحييه مرة أخرى كونه من مؤسسي الحزب الوطني القمري – بناكو – الحزب الحاكم في الاتحاد السابق ، على سعة صدره واستقلالية فكره وأمانة علمه في مجابهة الفساد والدعوة للإصلاح مهما كان الثمن غاليا .. مما فتح المجال لمناقشة ما طرحه من أسئلة وما قدمه من اجابات لا بد أن نتفاهم حولها، وأن نصل فيها إلى اتفاق نلتزم به ونعمل بما جاء فيه وإلا اختلطت المسالك، وغامت الرؤى، وتركنا أنفسنا عرضة للانفجارات المفاجئة والمغامرات غير المسئولة ..!

شمس الدين سيد علي الديبواني

وقد رأينا قبل أيام أن دوام الحال من المحال، وأن الشعوب قد يطول صمتها لأن نفسها طويل ولأن عمرها ممتد لكنها في النهاية لا بد أن تنفجر لأنها لا تستطيع أن تفر في طائرة !

فإذا أردنا أن نستفيد من الدرس ونتجنب الوقوع فيما لا تحمد عقباه، فمن واجبنا أن نعترف بما نواجهه، وأن نجتهد في معرفة أسبابه والعبور إلى بر الأمان وإلا فالسكوت قاتل والإنكار كارثة

قد استطاع محمد يوسف أن يذكرنا بأهم الأسئلة المطروحة علينا في هذه الأيام وأن يضعها في سياق يساعد على فهمها وإدراك علاقة بعضها ببعض وذلك في مقالة انتفع فيها بلا شك عن تجاربه واحتكاكه وأيامه الخالدة في الاتحاد وتمكن بذلك من أن يضع يده على جوهر المشكلة التي كانت تعالج في كثير من الأحيان أطرافا متباعدة؛ ..فالعنوان نفسه يوحي بقلق شديد عن انزواج الاتحاد وانخراطه لاتجاهات قد تقضي على مستقبل الطالب القمري في مصر وتفتح- بالمناسبة- زوايا طفولية لكل من أرمقه الظهور على ملئ العالمين ..

لقد كنا نتحدث عن قلة دهاء الاتحاد وطفولة أعماله .. وتشله في مواجهة ما يقابله من تطورات خطيرة تداهم المواطن القمري بمصر..  و تعسفه في كثير من الأحيان و عشوائيته في متابعة جدول أعماله التي لا توافق طموحات ورغبات الشعب القمري ..وتحوله إلى مأدبة للمتسولين وذوي الطموحات القصيرة ..الخ

لكن الأستاذ محمد في تلك المقالة الرائعة كان يعرف ما يقول ، لقد بين في بداية مقالته عن خدعة الاتحاد ومكريته في اقامة هذه الندوة التي تأتي بعد بقاء ستة أشهر لرحيل اللجنة التنفيذية وكل من يلف لفها…بما أنها قد خابت أمالنا ووضعتنا في مأزق لا يبقي ولا يذر ..

تساءل أستاذنا عن حقيقة القائمين على أمر الاتحاد السابق – ؛ بعد أن فقدو صلاحيتهم رسميا بأمر تأخر كثيرا من قبل سعادة السفير جعفر – ..ومدى غلوهم في افساد ما أنتجه عباقرة الاتحاد الأسلفين..بما أن من حسن التفكر والتصريف متابعة ومعايشة الوقائع والأحداث التي شهدها الاتحاد منذ وهلة انطلاقاته ولا ينبغي الاستمرار في وضع المكياج على وجوه القمريين جذافا… لأن هنالك هوية كبيرة بين الطلبة والاتحاد لا اجتماعيا ولا فكريا ولا حتى انتمائيا وتصرفيا وإلا فأين نحن وتلك الأيام التي شهدت ازدهارا كبيرا للاتحاد …شتان ما قبل 99 وما بعده … كما يقول الأستاذ محمد يوسف

إن أستاذنا الكبير يوجه نداءا انسانيا لأهل القلوب الصافية للوقوف ورعاية الاتحاد بعد أن انزلق إلى حضيض يهدد كيان المجتمع القمري.. لأن المغزى الحقيقية من الاحتفالات غائبة تماما عند القائمين عليها ..وهذا يتطلب منا كد الخواطر واجبارهم على التنفيذ وموافقتهم الأتية :

1- دراسة ومعرفة تاريخ الاتحاد قبل العمل فيه

2- أن تكون الاحتفالات وسيلة لإبراز المواهب والأفكار.. لا هدفا لأمر في نفس يعقوب قضاها

3- قبول القائمين على أمر الاتحاد النقد والاستحسان

4- أن لا يكون الاتحاد مؤسسة سياسية يعمل على حساب الطلبة والقمريين

5- أن يكون الهدف الأساسي في الاتحاد يرجع إلى مصلحة البلاد كلها لا للأفراد والمؤسسات لأن الاتحاد فريق يحتاج إلى كوادر قادرين على حمل الهمم لا مجرد تسمية على أسماء وإلا سيظل الحال كما هو الأن .

لقد كان أديبنا الكبير في مقالته هادئا عاقلا ، لأن ادراكه لبؤس الواقع الذي نعيشه لم يجعله مهيجا ولا راغبا في الإثارة ، وإنما كان بكل بساطة يؤدي واجبه كمثقف حقيقي

والثقافة الحقيقية ليست مجرد معرفة و قرائة للكتب ، وإلا فهي مجرد حرفة أو صنعة ،وإنما الثقافة الحقة معرفة كأنها الوحي أو الرسالة التي لا بد أن يصدع بها المثقف الحقيقي ، وأن يبلغها ويناضل في سبيلها ، وهي بالتالي ضمير عارف ، لأن الضمير ليس انصياعا عبوديا لأمر نهي ، وليس خضوعا لتقليد سائد أو عادة متبعة ، وإنما الضمير هو ما تكشفه لنا التجارب ويصدقه العقل وتستجيب له فطرة الإنسان الساعي في الخير الباحث عن السعادة لنفسه ولكل البشر

هذا هو المثقف الحق ، وتلك الرسالة التي جسدها لنا أمثال مباي ترامبي وعلي صالح متسشوا وموني بركا ومفتي الديار القمرية سابقا والسفير جعفر عبد الله شيخ أحمد وحسن سولي وأمثالهم… هؤلاء جميعا – وكانوا كلهم أو معظمهم فقراء – لم يقصروا في تحصيل هذه المعرفة وامتلاك هذا الضمير العارف ، وبقدر ما تذوقوا لذة المعرفة بقدر ما تحملوا ويتحملون تكاليفها الباهظة وضحوا في سبيل ما آمنوا به فإذا كان هناك من آثر السلامة ، وتاجر بالثقافة واحترف الكذب ، فقد خسر أكثر بكثير مما ربح ، لأنه فقد الحطام الذي جمعه ، وفقد بعد ذلك حقه في الوجود ، على حين يظل من ذكرتهم حاضرين يزدادون كل يوم حضورا ، وقدرة على الفعل والتأثير.

إن السلطة الروحية مايزال علي صالح يتمتع بها أعظم وأجل من أي سلطة مادية قاهرة ، والثروة التي خلفها لأجيالنا من الأفكار والمبادئ والمثل العليا والمواقف المشرفة لن تنفد أبد الدهر ، أما الذين أذوه و اضطهدوه وتكاثروا -ورب الكعبة- عليه وأرادوا أن يجوعوه ويشردوه فقد سقطوا من ذاكرتنا وضاعوا إلى الأبد؛ وعلي صالح ينظر إليكم الآن!

بقلم / شمس الدين سيد علي

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *