هل ستفشل نداءات شهر رمضان المعظم في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين داخل سجون جزر القمر ، كما فشلت دعوات المنظمة الدولية لحقوق الإنسان في ظل تفشي وباء كورونا ؟؟
السجن كلمة تعرف بمعاني الأسى والألم وحبس الحرية، وقسوة لا يكاد يتحملها الكثير ؛ إنما هو نظام عرَفته البشرية منذ أقدم العصور بالرغم من اختلاف مراحلها ،
فقد عانى فيه أناس بمختلف طبقاتهم ونحلِهم، كثير منهم كانوا ظالمين فاستحق العقوبة، فيما كان البعض قبع بين جدرانه وعذاباته مظلومين ،
غير أن بإمعان النظر في التصور القانوني ، الإسلامي و العلماني فلم يهدف النظامان إلى إذلال الناس وتضايقهم بسلب حقوقهم وتصويرهم كشيء لا قيمة له كما هو الحال في وطننا العزيز بلد العطور أرخبيل القمر ، إنما وبالرغم من المفارقة الشاسعة بين النظامين إلا أنهما متفقان في أوجه عدة من مبادئ حقوق الإنسان كاحترام المعتقدات الدينية والمبادئ الثقافية الذي ينتمي إليها السجين ضمن حقوقه الأساسية التي ينبغي من حمايتها حتى و لو كان مجرما ،
إلا أن أوضاع السجين والسجناء السياسيين وكذلك المظلومين داخل سجون جزر القمر مختلف تماما عن أي واقع قانوني إلا قانون الغابة ، فلا نظام إسلامي يحترم أو حتى علماني يهتدى في نصب أعين نظام بيت السلام ،
فبعد أن تربع سجن سان بيدور ببوليفيا المرتبة الأولى عالميا كأغرب سجون العالم يأتي السجن المركزي والوحيد في عاصمة أرخبيل القمر في المرتبة الثانية عالميًا كأسوأ سجن في القرن الواحد والعشرين لما يتعرض له السجين من معانات وسلب الحقوق ، حتى ضمانات المأكل والمشرب وغيرها من الأساسيات تأتي من تبرعات المحسنين وأهالي السجناء ،
لقد تمكن الإمام غزالي وحاشيته من تحويل جزر القمر إلى شبه دولة تتحكم مصيرها مجموعة قليلة بالعصا المغلظة كما استطاعت تجريد المؤسسات الحكومية وحتى منظمات المجتمع المدني والمدافعة لحقوق الإنسان من مهامها الرسمية بالفساد والرشاوى ، و أصبحت وظيفة المحاماة في جزر القمر كشيء لا قيمة له لدى الدائرة المعنية ، وأصبح الإخفاء القسري والقتل البطيء خارج نطاق القضاء هو النظام المعمول تحت دائرة مغلقة في معتقلات جزر القمر
ففي الوقت الذي تنادي المفوضة السامية لحقوق الإنسان لدى المنظمة الدولية بجنيف ميشيل باتشيليت لإطلاق سراح السجناء السياسيين والمظلومين قضائيا أو على الأقل تحسين ظروفهم في ظل تفشي وباء فايروس كورونا بعد أن فقد العالم ما يقرب من نصف مليون شخص حتى الآن بسبب الوباء ، سارع معظم دول العالم لإخلاء السجون من السياسيين وكبار السن والمظلومين وسجناء الرأي وكذلك الذين لم يلطخوا أيديهم بدماء أبرياء بل هنالك بعض من السجون الخالية بسبب خوف السلطات من انتشار وباء كورونا
إلا أن تلك الدعوات والمبادرات بالنسبة لنظام أرخبيل القمر لم تلق آذانًا صاغية بل يتمادى في التنكيل والاختطاف وضرب مرافعات القضاة والمحاماة عرض الحائط ، وظل الإفراط والتشبث بكل أنواع الجرائم والفساد السياسي والأخلاقي، السمة الحقيقية لهذا النظام ، فيما ظل السجن المركزي بموروني تحت رحمة معونات المحسنين والمتبرعين الدوليين ،
فمنذ التاسع عشر من مايو ٢٠١٨ يخضع الرئيس الأسبق أحمد عبد الله محمد سامبي تحت الإقامة الجبرية دون محاكمة قضائية في التهم الموجهة إليه وهو إجراء يتعارض مع المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
عبد الله محمد سامبي يتعرض بإهانات متكررة من قبل سلطة الانقلاب في جزر القمر كغيره من السياسيين الذين لم يصادفهم حظ الفرار إلى خارج حدود الوطن بسبب مواقفه الداعية إلى تحرير جزر أرخبيل القمر من الوصايا الفرنسية وتبني سياسة الانحياز لمصلحة البلاد والعباد أينما كانت ومهما يكن بعيدًا عن المغازلة السياسية فهي لم تجد نفعًا للشعب القمري منذ ما يقرب خمسة وأربعين سنة مما يعرف بالاستقلال ،
صيغة لم تعجب كثيرا من المخبرين ممن يرون أن أرزاقهم ليس بيد الله إنما مرهونة بمدى قدرتهم على تركيع جزر القمرية تحت الوصايا والمعونات الفرنسية وتحجيم الشعب القمري عن أي ركن من أركان الحياة ، سيماهم في وجوههم من أثر النفاق ، يهدمون ما أنجز غيرهم بلا استحياء ولا يأتون بجديد غير الدساتير ومن ورائها المشروعات الوهمية لكسب المزيد من تعاطف المساكين الذين لا تتعدى همومهم بطونهم ،
فحياة مواطن القمر بين الأمرين وبمحض الاختيار غير أن كلاهما مر ، فإما تحت الإقامة الجبرية و في زنزانة الأوبئة تحت جحيم السجون وإما التطبيل
في بلد تحول النظام المعمول فيه أغرب بكثير من نظام سان بيدور البوليفي إذ المجرم الحقيقي ومن له الجرأة في النهب والسلب هو الذي يقرر مصير البلاد والعباد ، بينما الشريف الصافي إن لم يصادفه حظ الفرار فجزائه الحبس والتنكيل ، إن لم يكبل الأرجل تحت بند التوقيف الاحتياطي دون محاكمة ،
فهل ستفشل هذه المرة نداءات رمضان المعظم كما فشل نداءات المنظمة الدولية لحقوق الإنسان في إطلاق سراح المظلومين !!! ؟
والله غالب .
الكاتب /يوسف علي امباي أكاديمي وباحث في معهد باريس للدراسات الإنسانية- باريس
كل الآراء الواردة يتحمل الكاتب فقط مسؤوليتها