كتب عالم الاجتماع وأخصائي علم النفس الاجتماعي، غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير “إن الاضطرابات الكبيرة التي تسبق تغيير الحضارات … تبدو للوهلة الأولى وكأن التحولات السياسية هي من حدّدت معالمها بشكل خاص”. ويقول أيضًا: “تُظهر دراسة أكثر تيقظًا لهذه الأحداث أنه وراء أسبابها الظاهرة، يكون السبب الفعلي عمومًا تغييرًا عميقًا في أفكار الشعوب”.
إن المجمتع القمري يشهد تغيرا كبيرا من النوع الذي وصفه غوستافو لوبون، وبرز في قلب هذا التغير الجيل الأصغر من القمريين الراشدين، أصبح أبنا هذه الفئة أكثر نشاطاً بشكل علني خلال السنوات القليلة الماضية، لكن مازال يحتم عليهم ترك بصمتهم الكاملة في الساحة القمرية و التي سوف يقودنها مستقبلا في نهاية المطاف. و نظراً إلى هذا الانتقال المحتم، رأيت أنه من المهم إلقاء الضوء على الصورة المعقدة للجيل الأصغر سنا من القمريبن الراشدين، هذا الجيل الذي يعيش داخل الحدود الجوغرافية للدولة ومن هم خارج الحدود.
تاريخيا لعبت الأجيال الأصغر سنا دورا أساسياً في السياسة والمجتمع، وغالبا ما ركزت الثقافة السياسية القمرية على عدم إظهار التقدير لهذه الفئة العمرية، رغم أن تغييرات كبرى قد حدثت على ضوء المستوى التعليمي والقيمي والمبادئ التي اكتسبوها في المراحل التعليمية المختلفة.
وهذه الفئة من الجيل الأصغر سناً من القمريين الراشدين تتسم بالبراعة والنشاط ويملكون حسا من الرسالة والتضحية، لكن الشعور بخيبة أمل سببه النخب السياسية التقليدية التي لا تقدم مستوى مقبولا من التطلعات والآمال لما يمكن أن يساهم في نهضة وتطوير الدولة والمجمتع.
شخصياً، لا أعتبر أن الجيل الأصغر سناً من القمريبن الراشدين الحاليين خلفا للجيل الأكبر سنا من أولئك الذين عاشوا وتربوا في حضن المستعمر الفرنسي – أي جيل ما قبل استقلال ١٩٧٥؛ وهذا الجيل لا يساهم بشكل فعلي في عملية التطوير والتحديث المطلوبين، وذلك بسبب التأثير الكبير والواضح على هذا الجيل الذي مورس عليه من خلال الفكر الاستعماري وسلوكه.
فالقابلية الاستعمارية صفة متلازمة للجيل الأكبر سنا تماما كما حصل مع النبي موسى عليه السلام مع قومه بني إسرائيل الذين رفضوا مبادئ و أفكار وقيم التغيير والنضال من أجل تحقيق مصلحة وطنية قومية عندما وقفوا ضد أوامر الله، والنبي موسى عليه السلام، فقاوموا التغيير والتحديث، وقالوا للنبي موسى عليه السلام بأن مسيرته النضالية لا تخصهم، بل تخصه هو وربه، فقالوا له ”اذهب انت و ربك فقاتلا“.
والسبب في ذلك أن القابلية الاستعمارية والتبعية والخنوع للمستعبد، وهو (فرعون) أنذاك، مازالت في مخيلاتهم. لذلك، هذا الجيل لم يحقق تطلعات الجيل الأصغر منه سناً إلى أن عاقبهم الله بالتيه و استبدلهم بقيادة جديدة تربوا في حضن النبي موسى وهارون، ولم يعاصروا فترة الاستعباد الفرعوني، فتحققت على أيديهم إنجازات سياسية وعسكرية بقيادة فتى موسى، يوشع بن نون عليه السلام.
إذن، فإنني أرى أن الجيل الأصغر سناً من القمريين الراشدين يختلف تماما اليوم و بطرق عدة عن الجيل الأكبر سناً؛ فالجيل الأصغر سنا يستمد إلهامه من تجارب الشعوب الحرة ومستوى التعليم لديهم والتكنولوجيا، من أجل صياغة رؤية جديدة تحريرية بمختلف أشكالها للتخلص من التبعية المزدوجة من المستعمر التقليدي الفرنسي، وكذلك المستعمر الاقتصادي الخليجي.
وإنني أجد ان مشروع (المسار) الذي أطلقته مجموعة من النخب السياسية القمرية من الجيل الأكبر سنا كانت الشرارة الحقيقة لتعزيز رؤية الجيل الأصغر سناً من القمريين الراشدين في مقاومة هذا المشروع و التمرد على الشخصيات التي تمثل السلطة، وقوى سياسية أخرى من مجموعات الصغط والمصالح، لعدم وجود رؤية استراتيجية بعيدة أو قريبة المدى تقدم حلولا واضحة للمشاكل والتحديات التي تواجه الجيل الأصغر سناً.
ولا يزال مشروع (المسار) وتداعياته يتردد صداها في أرجاء البلاد من اضطرابات سياسية وانقسامات مجتمعية، وهنا عززت موجة غضب رافقت العملية الانتخابية الأخيرة التي جرت في مارس عام ٢٠١٩، وهي موجة تعبر عن مدى الإحباط الذي يشعر به الجيل الأصغر سناً.
في المحصلة : أعتبر أن الجيل الأصغر سناً من القمريين الراشدين ليس مجرد تجسيد آخر للتوتر بين الأجيال، لكنه مقدمة لحراك و تدافع أكبر في مستقبل ليس ببعيد يمكن توجيهها ضد الجيل الأكبر سناً، وذلك من أجل بناء دولة قوية ذات سيادة،
و يتطلب في هذه الحالة تضافر الجهود بين كل المكونات الشبابية لصناعة مستقبل زاهر يقبل الجميع كل حسب كفائته و قدرته، استشهادا
بالآية القرآنية (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى).