منذ أن كنتَ خيالاً في خيالي ..
كنت أنت الــ أنت هذا
كنت دوماً مثلما الآن تكابر
قلّما تحنو … وحتى حين تحنو
لم تكن تجبر خاطر !!
كنت عصفوراً شقياً
إن أنا رتبت أفكاري .. تبعثرها ـ
وإن أصفو تنقرني
إلى آخر آخر
ثم لا يرضيك حزني من تماديك ..
فأستعفيك حقي .. أدّعي أني ” أهازر ” ..
هكذا أنت تعلمتك مني
منذ أن كنت خيالاً في خيالي ..
ثم لما صرت طيفاً شارداً بين الخواطر
بت أستدعيك بالأرواح أذرو طلسّمات الوجد في جمر المباخر
كنت في ناري على ناري تكابر !!
ثم أدركتك بيني
مثلما أدرك إحساسي بإحساسي وأستبطن ظني
مثلما أصغي لوسواسي وأهذي .. تحت أنفاسي
تعلمتك مني
منذ أن كنت خيالاً في خيــــالي.
______________________
دائماً ما نجد الشعر يمر مرور النسيم بين مترادفات الشيء وضده منتصراً لكل ما هو جميل ، وفي محراب أستاذنا المبدع عبد القادر الكتيابي- يقف العقل فاغراً فاه الدهشة أمام الحسن إذ نجده منتشياً بمعانيه العميقة هائماً بالشعر في أقاصيه الشاسعة ،مستسلماً لذاته وحسه وبيانه بتواضع وإنصات فتجيء كلماته صاخبة وديعة ضاجة بالحياة.
في كل مرة أقرأ له أُربِك وعيّي وأُسوّره بعلامات استفهام عصية فيأبى إلا أن يجيء منتصراً بقوة لغته من دهاليز لا يعرف منافذها غيره ،وكلما كان استفهامي مكائد كانت أجوبته فوائد.
قصيدة ذرور الطلسمات تحرك في قارئها فضوله وشغفه بمواطن الجمال في خرائط الخاطر والخواطر بلطف ومشاكسة واصرار على ديمومة حرف متجدد …..
كيف استَهل رائعته هذه بهكذا تعبير !!!!! خيالاً في خيالي .. كأنه يرسم نوراً داخل نور أو ظلاً داخل ظل أو يفصل نوراً عن نور وظلاً عن ظل . . ثم يعاتب الآخر بقوله : كنت دائماً مثلما تكابر الآن، قليلاَ ما تحنو بل حتى عندما تحنو لا تجبر خاطر، كعصفور شقي يسلبني راحتي ولا يكتفي بحزني متمادياً../
هنا تجلّت قدرة الشاعر على التصوير والتعبير،،، لا غرابة وهو من يقدر على سماع صوت تفتح الأزهار بيسر ،
تعجبني رقة عتابه الذي يلحقه بالعفو والسماح ويغلفه بالمهازرة والمزاح ،ويمتد صبره حباً رغم تمادي المعاتَب في شقاوته .
ثم ينتقل بنا الى دهاليز رؤية اخرى تجعلنا في حيرة ممتعة … إذ كيف كان خيالاً في خياله ثم صار طيفاً شارداً بين الخواطر ؟ فنتساءل هنا ما لفرق ؟
هل نترك الإجابة لشاعرنا أم لقرائنا الأعزاء؟؟؟
والأجمل أنه لما صار طيفاً بات يستدعيه بالأرواح متطرقاً لشيء من كيفية استحضارها بأسلوب شعري وصورة بلاغية لا أروع منها و ( علّ السحر يجدي ) سحر حلال وحرف زلال داخل النص ،وقلب الشاعر المُحب يضخ سحراً وصبراً وجمراً ورغم ذلك مازال عصفوره الشقي يعاند ويكابر ليستمر شاعرنا في إبداعه( كنت في ناري على ناري تكابر —- أدرك احساسي بإحساسي —- تعلمتك مني —- خيالاً في خيالي)
يا لهذا الهذيان الذي يتفوق على الصحو والإدراك …
وكم هو رائع هذا التدرج في ايصال الصورة مكتملة محملة بالمعاني رغم بساطة القصيدة وقّلتها إلا أنها بمثابة سِفْر ومسافة سَفَر .
يختصر كل الرواية والرؤى حين يذرو طلمسات الوجد في جمر أرواحنا فنقرأ بالعقل على ضوء شموع القلب وقت السَحر الخيالي الشغوف.
هذه سياحة صغيرة بقلم نهى إبراهيم سالم في قصيدة أستاذي الجليل عبدالقادر الكتيابي