إن وطننا الغالي عانى ومازال يعاني العديد من المشكلات الاجتماعية – فقر ومرض و تفشي للجريمة مخدرات…الخ- التي تهدد سلمها وأمنها الاجتماعي، وجلها مشكلات لا يمكن إرجاعها إلى سبب واحد بل مزيج من العوامل المتشابكة تتلخص في فشل العديد من الأبنية والأنظمة الاجتماعية في القيام بدورها.
ومن بين هذه المشكلات التي تؤرق مضجع كل قمري شريف (ظاهرة اغتصاب الفتيات القاصرات والأطفال في العموم) جريمة تعد واحدة من أبشع الجرائم في جميع الأديان والأعراف والقوانين المحلية والدولية، بل وتطالب بإنزال أقصى أنواع العقوبات على مرتكبيها، وبكل أسف شديد إن معدلات ارتكاب هذه الجريمة آخذة في التزايد في الوسط القمري يوما بعد آخر، الأمر الذي ينذر بخطر كبير على حاضر ومستقبل المجتمع القمري مالم يتم التصدي لها، كيف لا؟ ونحن نتكلم عن جريمة تمارس في حق فئة هم أمل الغد، جريمة لا تتوقف أضراره على الأضرار الجسمية فقط، فهذه ربما تشفى خلال أمد وجيز، لكنها تتخطى حدود الآثار الجسمية لتطل على الآثار النفسية التي تلازم تلك الفتاة البريئة لسنوات طويلة مالم يكن طوال حياتها، خاصة في ظل غياب برامج التأهيل النفسي المتبعة في معالجة الآثار الناجمة عن مثل هذه الجرائم، فلا يكاد يمر علينا أسبوع إلا ونسمع عن الجريمة في إحدى ربوع الوطن.
وكما أشرت سابقاً فإن هذه المشكلات هي نتاج فشل العديد من الأبنية في القيام بدورها، وعليه فإن حديثي حول هذه الظاهرة ستتمحور حول مؤسستين موجهاً لهما أصابع الاتهام لضلوعهما بشكل كبير في هذه الجريمة.
أولهما المؤسسات العدلية متمثلة في المحكمة القمرية خاصة محكمة الأسرة فقديماً قالوا بأن العدل أساس الحكم) وحيثما غاب العدل سادت الجريمة، ومما لا يخفى على أحد أن المحكمة القمرية واحدة من مؤسسات الدولة التي تشهد فشلاً ذريعاً في القيام بدورها – إقامة العدل- خاصة في السنين الأخيرة، وفيما يتعلق بمشكلتنا فمما يدمع له العين أن تقوم المحكمة بإطلاق سراح مرتكبي هذه الجريمة التي لا يختلف عليه اثنان في أن صاحبها أقل ما يستحقه السجن المؤبد، وهي بفعلته هذه، بناءً على تحليلي المتواضع يقودنا إلى أحد الأمرّين أحدهما تشجيع الآخرين على ارتكاب الجريمة وهو ما نلاحظه فكما يقال بأن الأصل في العقوبات هي ردع الناس عن ارتكاب الجرائم فلاريب أن يزيد الجريمة ما غابت العقوبات، أما الأمر الثاني فهو أن المحكمة بهذا الفعل توكّل إحقاق العدل إلى أسرة المجني عليه لتقتصّ ممن جنى على طفلها، الأمر الذي يقودنا إلى جريمة أخرى هي جريمة القتل و الاقتتال بين الأسر بعضها البعض.
وكلا الأمرين مرفوضان تماماً ولا خير فيهما، ما نطالبه هنا هو أن تقوم المحكمة متمثلة في قضاته بدورها وأن تراعي الله في عباده وأن يتذكّر رجالها ذاك القسم الذي أقسموا به عند تولّيهم هذه المسؤولية.
ثاني هذه المؤسسات هي الأسرة إن أحدى أهم الوظائف الأسرية كما قسّمها رجال الاجتماع وقبلهم ديننا الحنيف هي الخلفة، والأهم منه التّربية والمحافظة على الأولاد والحمد والشكر لله فالأسرة القمرية تقوم بهذا الدور إلى حد ما.
وعن توجيهي أصابع الاتّهام إلى الأسرة القمرية فالقصد هنا بعض الأسر القمرية التي يتم التّعدي على بناتها وتساعد بطريقة أحتسبها غير مقصودة – إحساناً بالظن – في تزايد معدّلات هذه الجريمة، أما موضع الاتّهام فتتمثّل في ضلوع هذه الأسر إلى التّستر على هؤلاء المجرمين حال أن كانوا من أعيان القوم أو حتى من الأقرباء، وينتهي الأمر بتزويج الفتاة بذاك الجاني، متجاهلين في ذلك نفسية هذه الفتاة وشعورها نحو ذلك المجرم، بل قد يصل الأمر تارة إلى المطالبة بمقابل مادي من أجل التّنازل عن القضيّة مقابل بعض الماديات، وكأن شقيقاتنا سلعة في سوق volo volo، وكل ذلك تشجّع الآخرين بطريقة أو بأخرى لارتكاب الجريمة.
ختماً نجد أن جميعنا شركاء في الجريمة نساهم بطريقة أو بأخرى في انتهاك حرمة وحقوق أخواتنا، فالدّولة مشاركة في الجريمة لتغاضيها عن إقامة العدل، والأسرة مشاركة بتزويج الفتاة بذاك الرجل المجرم، ونحن كأفراد مجتمع شركاء بدءاً من الوالي الذي أشرف على عقد الزواج مروراً بالشّهود وصولا بكل من أقر واعترف بهذا الزواج.
ما يقع على عاتقنا كأفراد مجتمع في مثل هذه الجرائم هي أن نفعّل تلك الأعراف والتّقاليد التي تعارف عليه أجدادنا في منع الجرائم وانتهاك الحرمات والتي بفضله حافظوا على سلامة مجتمعهم من هذه الجرائم، كما نطالب مؤسسات المجتمع المدني بمزيد من الحملات والبرامج المناهضة لهذا الفعل الشنيع.
بكري موسى جاي
طالب ماجستير في علم الاجتماع
يتحمل الكاتب فقط مسؤولية كل الآراء الوردة في المقال