قراة في الدين و الدولة والشعب

    بقلم / محمود محمد مهوما – محلل سياسي

     

    إن نظرة واحدة إجمالية في تاريخ المجتمع القمري سوف يجد أن الدين لعب دورا مهما و عظيما على المسرح السياسي و الاجتماعي، ولاكتشف أيضا المقام الرفيع الذي يتبوأه الدين في قلوب المجتمع القمري.
    من يراقب الخطابات الجماهيرية للنخب السياسية في جزر القمر سوف يلاحظ تأثير الدين فيها بشكل كبير، فضلا عن رجال الكلمة في المجتمع.
    إن الاحتجاجات التي رافقت عملية الانتخابات تعطي نموذجا لتأثير الدين في بعض الممارسات والسلوك السياسي في المجتمع القمري، والكل شاهد الكيفية التي مارست قوى سياسية نخبوية وشعبية الاحتجاج على نتائج العملية الانتخابية التي جرت في ٢٤-٣-٢٠١٩.
    كانت ردود أفعاله بدأت بتلاوة آيات من القرآن الكريم في معظم الشوارع والمدن الرئيسية، وكذلك مجالس القرى والمدن فعلت نفس الشيء، وذلك تعبيرا عن رفضهم القاطع لنتائج العملية الانتخابية.
    وكذلك فعلت مجموعة من مؤيدي السلطة الشيء ذاته، وكثيرا ما يستدل الرئيس عثمان غزالي في معظم خطاباته آيات من الذكر الحكيم و الأحاديث النبوية الشريفة وبعض الوقائع التاريخبة الإسلامية، لدعم وإثبات صحة رؤية الدولة في كثير من القضايا الساخنة والمثيرة للجدل.
    كل هذه الوقائع تشير إلى مدى تأثير القوة الدينية على هذا المجتمع في وعيه وبعض سلوكه السياسي. وهذه القوة الدينية ألفت بين المجتمع القمري وجلبت له الحرية والسعادة والسلام، وكان الدين جزءا محوريا في تطور هذا المجتمع، ولم يقتصر تطوره على عوامل طبيعية فقط، بل ساهم الدين في إقامة نظام سياسي متقدم في مرحلة من التاريخ السياسي القمري (حكم السلاطنة) نظاماً متيناً لدولة جديدة لامعة، اتخذت من الفقه الإسلامي مصدرا للتشريع و الدين الإسلامي دين الدولة، و ارتبط اسم الدولة بالإسلام في فترة زمنية معينة.
    وفي مرحلة متطورة ارتبطت الثقافة الإسلامية و العربية بنخب من الطبقة المثقفة والمتعلمة، هذه القوة الدينية ألهمت أنبل الأفعال والبطولات، والإيثار و الإخلاص، وحطمت قيود الاستعباد و الاستبداد الاستعماري، وكافحت بقوة إيمانية المستعمرَ الفرنسي الغاشم، وحررت الأرض والإنسان.
    هذا ما فعلته القوة الدينية في المجتمع القمري ضمن مرحلة من التاريخ المشرف. وفي تاريخنا المعاصر نجد هذه القوة نصيرا للاستبداد العقائدي والفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، مما أعاقت نمو العقل السياسي والروحي و الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع حتى أصبح المواطن لا يشعر بأية مسؤولية تجاه وطنه وقضاياه الصغرى والكبرى، لكونه في الأصل يعيش في الهامش و لا رؤية له.
    حمل الناس على تبني مقاربات أيدولوجية معينة وتفويض أشخاص يفكرون نيابة عن الشعب، ويقررون مصيره دون الرجوع إليه. فالانتقاد والنقد هو مفسدة من عمل الشيطان. وفي الآونة الاخيرة تغيرت المعادلة، بحكم معطيات وعوامل متعددة، منها ما يتعلق بالمستوى التعليمي والتقني.
    لكن الملفت للنظر قد تجد أحد النخب السياسية بُحَّ صوته في الدعوة إلى الإصلاح السياسي الشامل، و نحن نحسبه صادقا من صميم طبيعته، لكن في الحقيقة أن ما دفعه إلى المطالبة بالإصلاح الشامل هو استبعاده من السلطة من قبل القيادة الحاكمة التي جاءت بعده.

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top