ماذا لو تقدم الإمام غزالي بعرضٍ سياسيٍ جديدٍ للمعارضة ؟

    يبدو أن لا أحد يعلم ونحن نتطلع إلى عام ميلادي جديد ما يُدبَّر من حولنا ، إلا أنه من المسلّم به أن حولين كاملين مرا على الشعب القمري، قد تركا بالفعل أحداثا مؤلمًا على جميع الأصعدة ، سياسية واجتماعية وأمنية ،
    هذه الأحداث خلفت آثارًا نفسية سيئة وحالة سياسية مزرية ، ستحمل بصماتها لِجيل بعد جيل ، إن لم يبادر أصحاب العقول السليمة  و المحبة للوطن، بتدارك الموقف وطرح أفكار جيدة  تحمل آفاقا جديدة لمستقبل واعد ومنشود للجيل القادم ،
    غير أنه من يدري!!   ولربما ، وفق دراسة تحليلية،  أُخذت عيناتها من تقنيين كبار، مقربين من النظام الحاكم في بيت السلام ،  فإن الساحة السياسية في جزر أرخبيل القمر مرشحة بتطورات نوعية تختلف تماما عما خلفها العامان السابقان وفق متابعي الحالة النفسية للقادة السياسيين للنظام ،
     فبينما يرى البعض أن تاريخ العالم هو تاريخ التغيرات في التفسير النظري للعلاقات الدولية والإنسانية ؛ لأن التغير في النظرية يعني التغير في السلوكيات والطريقة التي تدير أو حتى تفكر أو تنظر بها للمواضيع والأحداث التي من حولك وهو من سنن الحياة فدوام الحال من المحال ، فإن النظريات تلعب دورًا أساسيًا مُهما في التأثير على الخيارات السياسية والنفسية لصناع القرار ، من خلال ما تؤديه من أدوار تساهم في تقييم القضايا المطروحة ، كما تقدم إطاراً عاماً لنظم الحقائق وتساعد على استخراج العبرة التاريخية من المواقف المختلفة التي مرت وتمر من حولك ومن ثم تساعدك في اختيار البديل الأفضل والصحيح الذي يحقق أكبر النتائج الممكنة ،
    و من دون النظرية تكون الخبرة ليس لها معنى وتضع تفكير الإنسان إلى منزلة دنيئة ، وعليه فالعلاقة بين النظريات والواقع علاقة تفاعلية فالنظريات تؤثر وتتأثر بالأحداث ، بالتالي يرى بعضٌ من متابعي بعض النظريات السياسية حول واقع الأحداث في أرخبيل القمر أن البلاد تتأرجح لتغيرات سياسية كبرى وفقا للمعطيات والتحليلات الآتية:
    أولا : لقد بدأ الإمام غزالي بالفعل يدرك خطورة الموقف في حالة استمرار تهاوي النظام حيث يتآكل النظام من الداخل شيئا فشيئًا بتخلي معظم أعمدة الحزب الحاكم عن الإمام غزالي كان آخرهم خروج الوزير الأمين صيف اليمنى من القائمة ، مما ترك ثغرات وتكهنات عدة حول مقدرة النظام على الصمود لنهاية العام ،
    غير أنه في الحقيقة أن الوزير الأمين صيف اليمنى لم يكن إلا مجرد رسول للمهمات الدبلوماسية السرية والصعبة للنظام ، ولم يكن يهتم بالسياسة أكثر مما كلف به من أعمال فنية متعلقة بالعمل الدبلوماسي كما لم يكن له نصيب مذكور في  التدافع السياسي الذي أدى إلى تفكك حزب النظام الحاكم ، بالتالي خروجه من الدائرة أفسح بعض  الفرص للإمام غزالي ولو مؤقتا لتعزيز الجبهة الداخلية المهددة بالانهيار الكامل ، وترميم البيت العنكبوتي للحزب بتوفير عشرة زعماء جدد منتمين لأحزاب وهمية لسد فراغ بعض مناطق البلاد التي لا يحظى النظام فيها بالسمع والطاعة في الجزر الثلاث إذ يدرك النظام تماما أن بقائه مرهون بخلق أذرع جديدة ليس لديها خلفيات مهنية غير السمع  والطاعة ،
    وهذا بالطبع مازال يكلف البلاد نوعا جديدا من الإنفاق في شراء الولاءات ، إلا أنه حسب مراقبين سياسيين لَدليل آخر على الإحساس الفعلي للنظام بالحاجة الماسة إلى تطوير الجبهة الداخلية لضمان الاستمرار أطول مدة ممكنة فوق السلطة و بأقل خسارة في حال تمكن المعارضة من تجاوز عقباتها بغية العمل الجدي نحو تكسير عظام الإمام غزالي ،
     ثانيا : إن الإمام غزالي أصبح يدرك تماما أن أعمدة النظام الحالي مجرد استنساخ لملأ فراغ لم يعد هنالك ثقة أنهم سيدافعون لبقاء النظام أكثر من دفاعهم لمصلحة الفئات التي أتوا منها ، بالتالي هذه الرموز لا يمكن الاعتماد عليها لآخر النَّفَس في حال، لا قدر الله، أنْ اِشتعَلَ الجبهة الداخلية ، بالتالي فنظرية كل احتمالات واردة، سيطرت على عقلية القادة السياسيين في بيت السلام مما ألهمها بالاستعانة بترسانة عسكريا مكونة من أربعة وثلاثين حاوية حاملة بعتاد عسكرية لمكافحة الشغب وتركيب أجهزت تنصت ومراقبة في جميع أنحاء وشوارع العاصمة موروني بقيمة تقدر بمليارات من الفرنك القمري ، خطوة فسرها المراقبون بخطة جهنمية في الوقت الذي تشهد فيه البلاد مزيدا من معضلات في الاحتياجات الأساسية كالمياه النظيفة ونقصًا حادا في الكهرباء والبنزين ،
     تأتي هذا في إطار تنسيق استخباراتي وأمني مع دُوَل أجنبية لحماية النظام من السقوط ،
    إلا أنه بالرغم من تلك الاستعدادات والتجهيزات لأسوء الاحتمالات ، فإن داخل الرجل المريض من يتفهمون أن اعتماد القبضة الأمنية وشراء الولاءات وحدهما لا يمكن أن يجديا نفعا خاصة في ظل تصاعد موجات التحدي للمعارضة مع استمرار حالة الكبت السياسي في الداخل والخارج
    من هنا يتوقع محللون سياسيون أن على النظام أن تبادر بتقديم تنازلات سياسية مهمة بحلول العام الميلادي الجديد تتضمن الآتي :
      أولاً : تحديد موعد لمحاكمة علنية لكافة السجناء السياسيين بمن فيهم زعيم المعارضة الأستاذ أحمد عبدالله محمد سامبي والدكتور سلامي المحافظ السابق لجزيرة أنجوان
     ثانيا : إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين لم يثبت لهم تهم جنائية حتي الآن ،
    ثالثا : ضمان عدم الملاحقة الأمنية لزعماء المعارضة والسماح لهم بالعودة لممارسة أعمالهم السياسية في البلاد بحرية كاملة ،
    رابعا : التأكيد على إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتحت الإشراف التقني والأمني للاتحاد الأفريقي بحدود ثلاثة سنوات من مطلع العام الجديد.
    وإلا فمن صلب الواقع ، أن عدم بزوغ رؤية سياسية واضحة ، تتضمن تنازلات جوهرية لكلا الطرفين أعني المعارضة  والحكومة في مسار تقديم أولويات ومستقبل الشعب القمري فوق المصالح الفئوية  والحزبية ، فإن جزر أرخبيل القمر سَتُحكم بالحديد والنار لِغاية عام 2050 وليس عام 2030 كما تم الإعلان عنه مسبقا ، ولن يكون هنالك حظ لتنمية مستدامة دونما أن يكون هنالك استقرار سياسي واجتماعي راسخان في أرض الواقع ،  و حينها فعلى الدنيا السلام
    والله غالب

    يوسف علي امباي

    أكاديمي وباحث في المعهد الأوروبي للدراسات الإنسانية-باريس

     

    كل الآراء الواردة في المقال يتحمل الكاتب فقط كامل مسؤوليتها 

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top