إفرازات محاكمة المواطنة الاقتصادية بجمهورية القمر المتحدة

    شهدت نهاية شهر نوفمبر الماضي محاكمة الرئيس الأسبق عبد الله محمد سامبي وأتباعه بعد احتجازهم دون محاكمة لمدة تناهز خمس سنوات.

    ولسنا هنا للحديث عن أسباب هذه المحاكمة التي كان جل الشعب القمري ينتظرها بفارع الصبر ولا عن كيفية سريانها وجريانها، ولا عما أحدثته من تجاذبات وانقسامات بين القادة والمحللين والساسة القمريين، وكذا المختصين في الشأن القانوني القمري من محامين وفقهاء قانونيين الذين يمكن اعتبارهم أكثر دراية وفهما للنصوص القانونية والتشريعية الجاري بها العمل، بل نحن هنا للحديث عن أهم افرازاتها الحالية و المستقبلية، لكن قبل ذلك نود الإشارة إلى نقطة جوهرية وهي أن هذه المحاكمة ليست مجرد حادثة عرضية كما يتصورها معظم القمريين وإنما هي حادثة مفصلية وجوهرية في تاريخ جمهورية القمر المتحدة الحديث

    والسبب في ذلك لا يعود لتعلقها بمحاكمة رئيس دولة سابق لأول مرة في بلدنا فحسب، وإنما لإدخالها بعض التعديلات في النظام القانوني والقضائي القمري، فقبل محاكمة المواطنة الاقتصادية لا أحد من الفقهاء القانونيين القمريين كان يعرف شيئا عن جريمة الخيانة العظمى لا من حيث الأفعال المشكلة لها، ولا من حيث العقوبة المخصصة لهذه الجريمة إن صحت اعتبارها كذلك نظرا للفرغ التشريعي القائم في هذا الصدد.

    وعلى أي حال يمكننا حصر أهم الإفرازات الحالية والمستقبلية لهذه المحاكمة في النقاط التالية:

    أولا: تنامي النزعة الانفصالية

       كلنا نعرف جيدا المأزق الانفصالي الذي عاشته جزرنا الصغيرة أو ما درج الاصطلاح عليه بأزمة انفصال أنجوان في سنة 1997، هذه الأزمة التي اندلعت بسبب التوزيع غير العادل والمتكافئ لموارد البلد وثرواته حسب رأي العديد من المؤرخين، والتي عادت من جديد في ظل حكم الرئيس السابق لنفس الجزيرة محمد بكار الذي استأثر وانفرد بحكم الجزيرة ومنع حتى دخول رئيس الاتحاد آنذاك إليها.

    ولا شك أن هذه الأزمة سواء خلال فترة رئاسة محمد تقي عبد الكريم أم فترة رئاسة عبد الله محمد سامبي قد قوضت المسار التنموي لبلدنا شأنها في ذلك شأن الانقلابات العسكرية التي شهدتها جمهورية القمر المتحدة منذ استقلالها.

    وقد أعادت هذه المحكمة مشاعر الانفصال التي بذلت جهود حثيثة لكبتها في السنوات الماضية باعتبار أن اتحاد جزرنا هو السبيل الوحيد لإنشاء دولة حديثة عصرية قادرة على تلبية احتياجات المواطنين، فبعد هذه المحاكمة تغيرت لهجة بعض المواطنين والمسؤولين القمريين في كافة ربوع بلدنا، كما ولدت حركة جديدة تدعي بالسعي نحو الدفاع عن مصالح سكان جزيرة أنجوان، وهي حركة صحوة الأنجوانيين التي بالرغم أنها لا تختلف عن بقية الحركات و الأحزاب التي ترفع الشعارات السياسية الفارغة في إطار البحث عن موطأ قدم في الحكم، إلا أنها قد تؤدي إلى ميلاد حراك اجتماعي ذي نزعة انفصالية، وكل هذه الأمور لا تبشر بخير لمستقبل بلدنا.

    وحتى نكون منصفين وواقعيين لا تكمن المشكلة في محاكمة سامبي لأنه في نهاية المطاف يظل مواطنا خاضعا للقانون، لكن المشكلة تكمن في طريقة سير المحاكمة.

    ثانيا: بروز ثغرات النظام القانوني القمري

       لعل من إيجابيات هذه المحاكمة هو إبرازها لهشاشة النظام القانوني القمري من حيث التداخل بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية من جهة، ومن حيث الفرغات القانونية التي يتسم بها هذا النظام. ونعتبر أن هذه النقطة إيجابية من باب أنها قد تدفع إلى التفكير في كيفية تفادي هذه الثغرات مستقبلا.

    فقضية المواطنة الاقتصادية القمرية أبرزت لنا التداخل القائم بين السلطات الثلاثة، كتوقيف شخص على أساس تقرير برلماني إذ كان على قاضي التحقيق أن يعتمد على هذا التقرير لتوسيع بحثه ثم يحدد ما إن كان سيرسل المشتبه به إلى المحاكة أم لا وهو ما لم يحصل، أو مناقشة تاريخ المحاكمة في مجلس وزاري وهو اختصاص خالص للقاضي، أو إصدار أوامر قضائية لا تطبق. كما أبرزت هذه القضية بعض الجرائم غير الموجودة في الترسانة القانونية القمرية وبعض المحاكم التي لا توجد في النظام القضائي القمري الحالي وإن وجدت من قبل.

    ثالثا: إمكانية تراجع الاستثمارات الأجنبية

       تشكل هذه النقطة أخطر سلبيات هذه المحاكمة برأينا، إذ أن هناك علاقة طردية بين جلب الاستثمارات الخارجية والأمن القانوني القائم أساسا على وجود ترسانة قانونية جيدة ونظام قضائي جيد، وقد أبانت هذه المحاكم للعالم أجمع مدى هشاشة نظامنا القانوني والقضائي، وهو ما يطرح تساؤلات حول مستقبل الاستثمارات الأجنبية في بلدنا خاصة في ظل مساعي رئيس الجمهورية الرامية إلى جعل جزر القمر دولة ناشئة في أفق 2030.

    قصارى القول أن هذه المحاكمة شكلت سابقة قد تؤدي إلى اسقاط بلدنا في مستنقع عميق نظرا لما يرتبط بها من آثار داخلية وخارجية، مما يستدعي إلى الجلوس مرة أخرى على طاولة المفاوضات. 

    بقلم إبراهيم نيدهوار،

    باحث في تحديات السياسة الدولية

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top