باثولوجيات المجتمع القمري ( الجزء الأول: الجريمة)

بكري موسى جاي – باحث اجتماعي

يرتبط وجود أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية بظهور العديد من الظواهر الاجتماعية phenomene Social، ما بين ظواهر سوية وأخرى مرضية، كما أنها قد تكون اقتصادية، أو صحية، أو سياسية، أواجتماعية. وسواء هذه أم تلك، فظهور هذه الظواهر هي نتاج التفاعل الاجتماعي intraction social بين أفراد المجتمع

وهنا يجدر التأكيد على القاعدة الاجتماعية التي تقول بأن ظهور الباثولوجيات الاجتماعية (المشكلات الاجتماعية) problems sociaux  في أي مجتمع من المجتمعات من النواميس الاجتماعية التي لا بد منها، مثلها مثل المشكلات الصحية…الخ، فالمشكلة إذاً ليست في ظهور هذه المشكلات إنما في رد الفعل المجتمع reactıon socaitale، وطريقة تعامل أفراد المجتمع مع المشكلة أو الظاهرة.

وهنا نجد أن علماء الاجتماع عند دراستهم للمجتمعات الانسانية، كثيراً ما اهتموا بدراسة مايصطلح عليه في الأدبيات السوسيولوجية بالمشكلات الاجتماعية، كونها تمثل تهديداً يؤرق السلم والأمن الاجتماعي، وتشغل حيزاً كبيراً من تفكير أفراد المجتمع وتقضي على كل جهد تنموي، وبالتالي يتطلب التعامل مع هذه المشكلات نوعا من التشخيص (العلمي) حتى يتمكن المجتمع من وضع أستراتيجيات مبنية على أسس علمية وتستند إلى حقائق واقعية، – بعيداً عن التأويلات والتفسيرات العشوائية الارتجالية- يمكن من خلالها اتخاذ إجراءات علاجية، ووقائية، وتأهيلية، تمكن أفراد المجتمع من مكافحة هذه الآفات الاجتماعية والتقليل من حدة آثارها.

وبالحديث حول المشكلات الاجتماعية نجدها كثيرة ومتنوعة مثل: الفقر، البطالة، العشوائيات، إضافة إلى مشكلة الجريمة، التي تعد واحدة من أكثر المشكلات الاجتماعية انتشاراً- على مستوى المجتمعات المتقدمة منها والمتخلفة – وأكثرها تعقيداً، نظراً لتعدد مداخلها وبواعثها والتي كانت ولا تزال تلازم المجتمعات البشرية قديماً وحديثاً، وتختلف في أنواعها ودرجاتها وأساليبها تبعا لدرجة تحضر المجتمع من عدمه، والتي بلغت ذورتها حسب الاستطلاعات العالمية مع وباء كوفيد19.

ومما سبق نجد أن مظاهر السلوك الإجرامي، أخذت تنشر ظلامها في أرجاء مجتمعنا القمري، وتلقي الرعب والخوف في قلوب المؤمين من أفراد هذا المجتمع المسالم، ولم يسلم منه حتى تلك الفئات التي يطلق عليها في الدساتير والمواثيق بالفئات الضعيفة (الأطفال، النساء، كبار السن) ونسطتيع القول بأن الجريمة أصبحت مشكلة واقعية تهدد الأمن والسلم المجتمعي المحلي بنسبة 92%. وفق ما توصلت إليه دراسة محلية أجريت عام 2022م.

ففي السنوات الخمس الأخيرة – وفق قراءاتي –نلاحظ أن مشكلة الجريمة من القضايا التي شغلت حيزاً كبيرا من الرأي العام المحلي، نظراً لتعدد مظاهرها وتزايد معدلاتها بشكل لم نسمع بها من آبائنا الأولين، وأصبح الكل يتسائل عن واقع هذا المرض الاجتماعي الذي أخذ ينخر بناء مجتمعنا
القمري؟ وما هي العوامل التي تقف خلف هذا النمو المضطرد للجريمة؟ والأهم من
ذلك ماهي الحلول التي يمكن القيام بها لمجابهة هذا المرض؟ وغيرها الكثير من
الأسئلة المثارة حول هذا الموضوع، وما يدمع له العين أن هذه القضية لم تنل حظها بعد في الأوساط الأكاديمية القمرية بشقيه العربي والفرنكوفوني، إلا القليل القليل – إن وجدت – مايعني وجود فراغ علمي حول الموضوع، مايشكل خطراً إضافية.

وانطلاقا من النقطة الأخيرة نحاول عبر هذه السلسة التي أسميناها (باثولوجيات المجتمع القمري)، والتي نحاول في جزئها الأول بعون الله تعالى تسليط الضوء على مشكلة الجريمة من حيث: أهم مظاهرها، أسبابها، سبل مكافحتها أو التقليل من حدتها، كجزء من مسامهتنا في معركة تشكيل الوعي الاجتماعي الصحيح، وهي سلسة تقوم عليها مجموعة من المختصصين القمريين، في مجالات علم النفس، والاجتماع، والخدمة الاجتماعية. وقبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع لابد من الإشارة إلى مجموعة من النتائج والحقائق التي توصلت إليها التقارير والدراسات ذات الصلة وهي:

  • على مستوى القارة تحتل جزر القمر المرتبة الـ47 من أصل 54 دولة أفريقية من حيث انتشار الجريمة.
  • على مستوى منطقة دول جنوب القارة نحتل المرتبة ال 9 من أصل 13 دولة من حيث معدل انتشار الجريمة.
  • من حيث جهود مكافحة الجريمة، تحتل بلدنا الأفريقي الجميل المركز الـ 45 من أصل 54 دول القارة، والمركز الـ 13 من أصل 13 دولة في منطقة جنوب القارة.
  • وفي دراسة محلية على مستوى جزيرة انغازيجا، أشارت استطلاعات الرأي العام أن أكثر مظاهر الجريمة انتشاراً هي تعاطي المخدرات والكحوليات، يليها العنف ضد الأطفال.

كل هذه الأرقام والبيانات وغيرها الكثير توضح لنا الحاجة الماسة والقصوى، بضرورة تناول هذا الموضوع من منظور علمي أكاديمي شامل، بعيداً عن التفسيرات الميتافيزيقية، والخطط الارتجالية التي لم تعد تجدي نفعاً في التعامل مع المشكلات والقاضايا في عالمنا المعاصر، المتجدد التي سميت من بين ما سميت بعصر العلم والمعرفة. وللقصة بقية…….

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *