رُب ضارة نافعة!

    بقلم الأديبة / نهى إبراهيم سالم
    ابتسمي، غني، غضي الطرف عما يعكر صفوك، لاتسألي عن أشياء إن تبدو لك تسؤكك، لاتهتمي لرأي أحدهم بك طالما أنك تفعلين يمليه عليك ضميرك. حاولي جاهدة أن لاتستائي ولاتستسلمي للظروف السيئة، لاتردي الإساءة بمثلها، استشعري جمال الأشياء والكون حولك، أنظري للقمر على أنه رفيق درب مخلص لامجرد جرم سماوي مضيئ.
    اجعلي من النجوم قلادة لك كل مساء، ضعي أطنانا من الحب في قلبك لكل الناس حتى من يضمرون لك شرا، لملمي الياقوت والمرجان من بحر القناعة لتبني به قصراً من السعد على أي شاطئ، لاتعطي اعتبارا للذكريات المرة ودعيها تضمحل بسلام. لاتيأسي من رسم أمنياتك لمجرد أنها لم تتحقق، تعلمي الصبر فالفرج بقدر الشدة، تعلمي الهدوء فالضجيج يبعثر الأشياء والانفعال يحيلها لشظايا، تعلمي أنك إن تجاوزت الهدف فكأنك لم تبلغيه، ومامن فاكهة إلا وتكون مرة قبل نضجها.
    تعلمي أن الظل لايستقيم إن كان العود أعوجا، وأن الشيئ إن لم يكن أبيضاً فلاتجزمي بأنه أسود، ولا تنسي ذلك المثل الصيني الذي يقول : قد لاتستطيع أن تمنع الكئآبة من التحليق فوق رأسك لكن بوسعك أن تقص شعرك حتى لاتعشش فيه.
    كلها نصائح كنت قبل أن ألقاك ياحرفي أسديها لنفسي وأهدء بها كأقراص مسكنة كل مساء وأنا أضع رأسي على وسادتي أتنقل بين أروقة أيامي وأحاول أن أنسى وجعي فيقفز الدمع في عيني ليقصم ظهر بعير النسيان.
    وكلما قتلت ذكرياتي المؤلمة أجدها تقوم بعد موتها كالعنقاء من جديد ك، وبعد أن التقيتك أيها الحرف الخِل الوفي قررت طي الماضي وحرق عياسيب أوجاعه وفتح صفحات جديدة لاتعرف غيرك أبدا. فتذكرت نصيحة طبيب عجوز شكوت له آلاما بمعدتي وانعدام قابليتي للطعام، وبعد أن وصف لي بعض الأدوية قال لي :
    حاولي أن تتقيأي لتتجدد خلايا معدتك وعصارتها فتصير جاهزة للقيام بوظيفتها بشكل ممتاز. لم أهتم بنصيحته بل سخرت منه سراً ورجحت أنه على أعتاب الخرف، لكن تذكري لنصيحته فجأة جعلني أقرر تطبيقها على نحو آخر كالتالي:
    أغمضت عيناي وجلست على حواف خاطري ومشاعري وتقيأت آلامي وأوجاعي وذكرياتي وكل الأمنيات التي تعج بعفن الاستحالة المقزز وغبار اللاتحقيق النتن. تقيأت حتى بلغ مني الجهد مبلغه. وفعلا تجددت خلايا خاطري وقلبي وصارا يؤديان وظيفتيهما بشكل أكثر من ممتاز. وأدركت أنه لو لم يكن ذلك الظلام بحياتي لما عرفت قيمة النور، وأن آلة موسيقية قديمة قد تصدر ألحانا رائعه.
    وها أنا بحضرتكم أكثر بياضاً من صفحات أيام لم يعد فيها سواه. فجددوا خلايا خواطركم وقلوبكم تخلصوا من كل المكدرات برضى ومحبة وأمل.

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top