نظرية الدومينو والانقلابات العسكرية في أفريقيا

      تشهد قارة أفريقيا في الوقت الراهن ما يمكن تسميته “بصحوة العسكر” المتمثلة في سلسلة الانقلابات العسكرية التي عادت في الوجود مرة أخرى بعد سنوات من اختفائها.

وبدأت هذه السلسة الجديدة من الانقلابات بقيام مجموعة من العسكر بزعامة أسيمي غويتا في دولة مالي  بإطاحة الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في شهر أغسطس 2020، وتلا ذلك انقلاب تشاد في أبريل 2021 باستلاء الجيش على السلطة بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي في أرض المعركة، و في سبتمبر 2011 أطاح قائد القوات الخاصة الكولونيل مامادي دومبيا، بالرئيس ألفا كوندي بعد أعمال شغب واسعة في كافة أرجاء البلاد بسبب رغبة كوندي في عهدة رابعة، و في يناير 2022، أطاح الجيش بالرئيس روك كبوري، و اتهمه بالإخفاق في التصدي لعنف متشددين الإسلاميين و تولى كولونيل بول هنري دامبيا الرئاسة، ليتم اطاحته من قبل الكابتن إبراهيم تراوري في سبتمبر 2022، ثم نهج أفراد من الحرس الثوري النيجري تفس النهج، حيث قاموا في يوليوز 2023 باحتجاز أفراد من الحرس الرئاسي الرئيس محمد بازوم في قصره، و استولوا على السلطة لإنهاء الوضع الأمني المتدهور و سوء الحوكة حسب تعبريهم، و أخيرا أعلن كبار الجيش في الغابون بتاريخ 30 أغسطس الجاري بالاستيلاء على السلطة و إلغاء نتائج الانتخابات التي فاز على إثرها الرئيس علي بونغو لعهدة ثالثة، وهذا ما ينذر بعودة الانقلابات العسكرية في القارة السمراء.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو: هل يمكن تفسير هذه الانقلابات انطلاقا من نظرية الدومينو؟

تاريخيا، ارتبطت نظرية الدومينو بالحالة التي كانت سائدة أثناء الحرب الباردة من الانقسام الغربي الشرقي أو الرأسمالي الشوعي وما ارتبط بذلك من حالة التحزب والتشيع والاستقطاب. فتفترض هذه النظرية الأمريكية الأصل أن استيلاء القوى السياسية الشيوعية على دولة رئيسية في منطقة معينة، قد يؤدي إلى سقوط الدول المجاورة في الحضن الشيوعي بسبب ما يسمى بتأثير الدومينو. وهذا ما أدى حسب عديد المؤرخين والمحللين إلى تدخل الولايات المتحدة في حرب فيتنام بين عامي 1955 و1973، رغبة منها لوضع حدا للتمدد الشوعي.

وبالعودة إلى الانقلابات العسكرية في أفريقيا، نرى العديد من المحللين الذين يفسرون الأمر وكأنه مجرد عدوى يصيب البلدان الأفريقية واحدة تلو الأخرى مثلما كان فيروس كورونا ينتقل من شخص لآخر، بل حتى الاتحاد الأفريقي نجده يتعامل مع الانقلابيين بلغة العقوبات تفعيلا لنظرية الردع، وكذلك الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا(سيدياو) التي أبدت رغبتها في الدخل عسكريا إلى النيجر إثر الانقلاب العسكري الأخير لإعادة الشرعية الدستورية ومنع انتهاج بلدان أفريقية أخرى نفس النهج.

لكن في الواقع، الأمر أبعد من ذلك بكثير، إذ أن الأسباب المؤدية إلى هذه الموجة الجديدة من الانقلابات تختلف من دولة لأخرى حتى وإن اتحدت بعض العوامل المساهمة بشكل أو بآخر في وقوعها أي الانقلابات، كتدهور الوضع الاقتصادي بالرغم من وفرة الموارد الطبيعية والمواد الأولية في هاته البلدان، أو التواجد الفرنسي الذي يعارضه الجيل الأفريقي الصاعد بسبب السياسة الفرنسية الاستغلالية.

فهذه الحالة التي تشهده البلدان الأفريقية حاليا أشبه بكثير من تلك التي شهدتها البلدان العربية سنة 2010 وما بعدها في إطار ما يسمى في أدبيات السياسة الدولية بالربيع العربي، هذا الربيع الذي انطلق من تونس في إطار ما يعرف بثورة الياسمين، لينتشر بعد ذلك إلى بلدان عربية أخرى مجاورة خلال وقت وجيز، فكما لا يمكن تفسير سقوط الأنظمة العربية آنذاك بسبب العدوى (تأثير دومينو) كذلك لا يمكن تفسير الانقلابات العسكرية الجارية في أفريقيا استنادا إلى هذه النظرية.

إذ أن هناك وعي متنامي لدى الشعوب الأفريقية وخاصة لدى العسكر الذي يرفض أن يكون بيدقا لنظام فاسد ينهب ثروات البلاد ويقمع الشعوب باستخدام الجيش، وتفضيل المصالح الفردية والعائلية الضيقة على حساب عامة الشعب، هذا الوعي هو السبب وراء ما نشاهده اليوم من زيادة الانقلابات العسكرية.

ونحن هنا لا ندافع عن انقلابات عسكرية ولا نؤيدها، بل نود التأكيد فقط أن قيام العسكر بإطاحة بعض الأنظمة ليس مؤشرا على اقتراب أنظمة فاسدة أخرى على السقوط والانهيار والزوال لأن الأمر ليس مجرد انتقال لعدى، بل هناك عامل أساسي متمثل في زيادة الوعي الجماعي بأهمية بناء أنظمة سياسية قادرة على توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين وتوفير الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، زيادة إلى عوامل أخرى مثل التأثير الخارجي، وشهوة السلطة وغيرها من العوامل الثانوية التي تتضافر وتتزاوج مع عامل الوعي الجماعي لإطاحة الأنظمة.

     بقلم إبراهيم نيدهوار

باحث في التحديات الراهنة للسياسة الدولية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *